والثاني: أنها نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن، قاله الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني.
والثالث: أنها نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد بعد إيمانهم بصفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم، قاله أبو العالية. قال الحسن: كلما نزلت آية كفروا بها، فازدادوا كفرا.
وفي علة امتناع قبول توبتهم أربعة أقوال:
أحدها: أنهم ارتدوا، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم، والكفر في ضمائرهم، قاله ابن عباس.
والثاني: انهم قوم تابوا من الذنوب في الشرك، ولم يتوبوا من الشرك، قاله أبو العالية.
والثالث: أن معناه: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، وهو قول الحسن، وقتادة، وعطاء، الخراساني، والسدي.
والرابع: لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر، وهو قول مجاهد.
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين (91) قوله [تعالى]: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حيا في الإسلام، فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم كافرا. قال الزجاج: وملء الشئ: مقدار ما يملؤه. قال سيبويه، والخليل:
والملء بفتح الميم: الفعل، تقول: ملأت الشئ أملؤه ملأ، المصدر بالفتح لا غير. والملاءة: التي تلبس ممدودة. والملاوة من الدهر: القطعة الطويلة منه، يقولون: إبل جديدا، وتمل حبيبا، أي:
عش معه دهرا طويلا. و (ذهبا) منصوب على التمييز. وقال ابن فارس: ربما أنث الذهب، فقيل: ذهبة، ويجمع على الأذهاب.
قوله [تعالى]: (ولو افتدى به) قال الفراء: الواو هاهنا قد يستغنى عنها، ولو حذفت كان صوابا، كقوله [تعالى]: (وليكون من الموقنين). قال الزجاج: هذا غلط، لأن فائدة الواو بينة، فليست مما يلقى.
انتهى الجزء الأول من كتاب زاد المسير ويليه الجزء الثاني وأوله لن تنالوا البر... (92) من آل عمران