والثانية: أن ضياء النار يحتاج في دوامه إلى مادة الحطب، فهو له كغذاء الحيوان، فكذلك نور الإيمان يحتاج إلى مادة الاعتقاد ليدوم.
والثالثة: أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد معها ضياء، فشبه حالهم بذلك.
صم بكم عمى فهم لا يرجعون (18) قوله [تعالى]: (صم بكم عمي).
الصمم: انسداد منافذ السمع، وهو أشد من الطرش. وفي البكم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الخرس، قاله مقاتل، وأبو عبيد، وابن فارس.
والثاني: أنه عيب في اللسان لا تتمكن معه من النطق، وقيل: إن الخرس يحدث عنه.
والثالث: أنه عيب في الفؤاد يمنعه أن يعي شيئا فيفهمه، فيجمع بين الفساد في محل الفهم ومحل النطق. ذكر هذين القولين شيخنا.
قوله [تعالى]: (فهم لا يرجعون).
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يرجعون عن ضلالتهم، قاله قتادة ومقاتل.
والثاني: لا يرجعون إلى الإسلام، قاله السدي.
والثالث: لا يرجعون عن الصمم والبكم والعمى، وإنما أضاف الرجوع إليهم، لأنهم انصرفوا باختيارهم، لغلبة أهوائهم عن تصفح الهدى بآلات التصفح، ولم يكن بهم صمم ولا بكم حقيقة، ولكنهم لما التفتوا عن سماع الحق والنطق به، كانوا كالصمم البكم، والعرب تسمي المعرض عن الشئ: أعمى، والملتفت عن سماعه: أصم، قال مسكين الدارمي:
ما ضر لي جارا أجاوره * ألا يكون لبابه ستر أعمى إذا ما جارتي خرجت * حتى يواري جارتي الخدر وتصم عما بينهم أذني * حتى يكون كأنه وقر أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) قوله [تعالى]: (أو كصيب من السماء). أو، حرف مردود على قوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) واختلف العلماء فيه على ستة أقوال:
أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير، تقول العرب: جالس الفقهاء أو النحويين، ومعناه: أنت