والثالث: أن معناها: لا ريب فيه أنه من عند الله، قاله مقاتل في آخرين. فان قيل: فقد ارتاب به قوم.
فالجواب: أنه حق في نفسه، فمن حقق النظر فيه علم.
فان قيل: فالمتقي مهتد، فما فائدة اختصاص الهداية به؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه أراد المتقين، والكافرين، فاكتفى بذكر أحد الفريقين، كقوله [تعالى]:
(سرابيل تقيكم الحر). أراد: [المتقين والكافرين فاكتفى بذكر أحد الفريقين] والبرد والثاني: أنه خص المتقين لانتفاعهم به، كقوله: (إنما أنت منذر من يخشاها). وكان منذرا لمن يخشى ولمن لا يخشى.
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب) الايمان في اللغة: التصديق، والشرع أقره على ذلك، وزاد فيه القول والعمل. وأصل الغيب: المكان المطمئن الذي يستتر فيه لنزوله عما حوله، فسمي كل مستتر: غيبا.
وفي المراد بالغيب ها هنا ستة أقوال:
أحدها: أنه الوحي، قاله ابن عباس، وابن جريج.
والثاني: القرآن، قاله أبو رزين العقيلي، وزر بن حبيش.
والثالث: الله عز وجل، قاله عطاء، وسعيد بن جبير.
والرابع: ما غاب عن العياد من أمر الجنة والنار، ونحو ذلك مما ذكر في القرآن. رواه السدي عن أشياخه، وإليه ذهب أبو العالية، وقتادة.
والخامس: أنه قدر الله عز وجل، قاله الزهري.
والسادس: أنه الايمان بالرسول في حق من لم يره. قال عمرو بن مرة: قال أصحاب عبد الله له: طوبى لك، جاهدت مع رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وجالسته. فقال: إن شأن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] كان مبينا لمن رآه، ولكن أعجب من ذلك: قوم يجدون كتابا مكتوبا يؤمنون به ولم يروه، ثم قرأ: (الذين يؤمنون بالغيب).
قوله [تعالى]: (ويقيمون الصلاة) الصلاة في اللغة: الدعاء، وفي الشريعة: أفعال وأقوال على صفات مخصوصة. وفي تسميتها بالصلاة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها سميت بذلك لرفع الصلاة، وهو مغرز الذنب من الفرس.