العلماء، هل هذا أمر وجوب، أم على وجه الاستحباب؟ فذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب واستحباب فعلى هذا هو محكم، وذهبت طائفة إلى أن الكتاب والإشهاد واجبان، روي عن ابن عمر، وأبي موسى، ومجاهد، وابن سيرين، وعطاء، والضحاك، وأبي قلابة، والحكم وابن زيد. ثم اختلف هؤلاء، هل هذا الحكم باق أم منسوخ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه محكم غير منسوخ، وذهبت طائفة إلى أنه منسوخ بقوله [تعالى]: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته) قوله [تعالى]: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) قرأ أبو جعفر بتخفيف الراء من " يضار " وسكونها. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: لا يضار بأن يدعي وهو مشغول، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، والربيع بن أنس، والفراء، ومقاتل. وقال الربيع: كان أحدهم يجئ إلى الكاتب فيقول:
اكتب لي، فيقول: إني مشغول، فيلزمه، ويقول: إنك قد أمرت بالكتابة، فيضاره ولا يدعه، وهو يجد غيره، وكذلك يفعل الشاهد، فنزلت (ولا يضار كاتب ولا شهيد).
والثاني: أن معناه: النهي للكاتب أن يضار من يكتب له بان يكتب غير ما يمل عليه، وللشاهد أن يشهد بما لم يستشهد عليه، هذا قول الحسن، وطاووس، وقتادة، وابن زيد، واختاره ابن قتيبة، والزجاج واحتج الزجاج على صحته بقوله [تعالى]: (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) قال: ولا يسمى من دعا كاتبا ليكتب، وهو مشغول، أو شاهد، فاسقا، إنما يسمى من حرف الكتاب، أو كذب في الشهادة، فاسقا.
والثالث: أن معنى المضارة: امتناع الكاتب أن يكتب، والشهادة أن يشهد، وهذا قول عطاء في آخرين.
قوله [تعالى]: (وإن تفعلوا) يعني: المضارة.
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (283)