قوله [تعالى]: (لئلا يكون للناس) في الناس قولان:
أحدهما: انهم أهل الكتاب قاله ابن عباس، وأبو العالية، وقتادة، ومقاتل.
والثاني: مشركوا العرب، رواه السدي عن أشياخه. فمن قال بالأول، قال: احتجاج أهل الكتاب أنهم قالوا للنبي: مالك تركت قبلة بيت المقدس؟! إن كانت ضلالة، فقد دنت الله بها، وإن كانت هدى، فقد نقلت عنها. وقال قتادة: قالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. ومن قال بالثاني، قال: احتجاج المشركين أنهم قالوا: قد رجع إلى قبلتكم، ويوشك أن يعود إلى دينكم.
وتسمية باطلهم حجة على وجه الحكاية عن المحتج به، كقوله [تعالى]: (حجتهم داحضة عند ربهم) وقوله: (فرحوا بما عندهم من العلم).
قوله [تعالى]: (إلا الذين ظلموا منهم) قال الزجاج: معناه إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول: مالك علي حجة إلا الظلم، أي: إلا أن تظلمني قال ابن عباس: (فلا تخشوهم) في انصرافكم إلى الكعبة (واخشوني) في تركها.
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151) قوله [تعالى]: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم) قال الزجاج: " كما " لا تصلح أن تكون جوابا لما قبلها، والأجود أن تكون معلقة بقوله: (فاذكروني) وقد روي معناه عن علي، وابن عباس، ومجاهد، ومقاتل. والآية خطاب لمشركي العرب. وفي قوله: (ويزكيهم) ثلاثة أقوال، قد سبق ذكرها في قصة إبراهيم. والكتاب: القرآن والحكمة: السنة.
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (153) قوله تعالى: (فاذكروني).
قال ابن عباس، وابن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي. وقال إبراهيم بن السري: كما أنعمت عليكم بالرسالة، فاذكروني بتوحيدي وتصديق نبيي. قال: فإن قيل: كيف يكون جواب:
(كما أرسلنا) (فاذكروني) فإن قوله: (اذكروني) أمر وقوله: (أذكركم) جزاؤه، فالجواب: أن المعنى: إن تذكروني أذكركم.
قوله [تعالى]: (واشكروا لي) الشكر: الاعتراف بحق المنعم، مع الثناء عليه.