ذلك، فقال: يا فتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل في بني إسرائيل.
وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) قوله تعالى: (وإذ قتلتم نفسا) هذه الآية مؤخرة في التلاوة، مقدمة في المعنى، لأن السبب في الأمر بذبح البقرة قتل النفس، فتقدير الكلام: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها، فسألتم موسى فقال:
(إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة). ونظيرها قوله [تعالى]: (ولم يجعل له عوجا قيما) أراد: أنزل الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا، فأخر المقدم وقدم المؤخر، لأنه من عادة العرب، قال الفرزدق:
إن الفرزدق صخرة ملمومة * طالت فليس تنالها الأوعالا أراد: طالت الأوعال. وقال جرير:
طاف الخيال وأين منك لماما * فارجع لزورك بالسلام سلاما أراد: طاف الخيال لماما، وأين هو منك؟ وقال الآخر:
خير من القوم العصاة أميرهم * - يا قوم فاستحيوا - النساء الجلس أراد: خير من القوم العصاة النساء، فاستحيوا من هذا.
ومعنى قوله: (فادارأتم) اختلفتم، قاله ابن عباس ومجاهد. وقال الزجاج: ادارأتم، بمعنى:
تدارأتم، أي: تدافعتم، وألقى بعضكم على بعض، تقول: درأت فلانا، إذا دفعته، وداريته: إذا لاينته، ودريته إذا ختلته، فأدغمت التاء في الدال، لأنهما من مخرج واحد، فأما الذي كتمود، فهو أمر القتيل.
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73) قوله [تعالى]: (فقلنا اضربوه ببعضها).
من قال: أقاموا في طلبها أربعين سنة، قال: ضربوا قبره، ومن لم يقل ذلك، قال: ضربوا جسمه قبل دفنه، وفي الذي ضرب به ستة أقوال:
أحدها: أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدمشقي: وذلك العظم هو أصل الأذن، وزعم قوم أنه لا يكسر ذلك العظم من أحد فيعيش. قال الزجاج: الغضروف في الأذن، وهو: ما أشبه العظم الرقيق من فوق الشحمة، وجميع أعلى صدفة الأذن، وهو معلق الشنوف، فأما العظمان اللذان خلف الأذن الناتئان من مؤخر الأذن، فيقال لهما:
الخشاوان، وأن الخششاوان، وأحدهما: خشاء، وخششاء.