مروي عن ابن عمر، والحسن، واختاره أبو سليمان الدمشقي، والقاضي أبو يعلى. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية لم تنسخ، ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق، يقول لهم: إني مخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم، ويغفر لهم، مع ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله [تعالى]: (يحاسبكم به الله) يقول: يخبركم به الله، وأما أهل الشرك والريب، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله تعالى: (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) والأكثرون على تسكين راء " مغفرة " وباء " يعذب " منهم ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي. وإنما جزموا لاتباع هذا ما قبله، وهو " يحاسبكم " وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم ويعقوب: برفع الراء، والباء فيهما. فهؤلاء قطعوا الكلام عن الأول، قال ابن الأنباري: وقد ذهب قوم إلى أن المحاسبة هاهنا هي اطلاع الله العبد يوم القيامة على ما كان حدث به نفسه في الدنيا، ليعلم أنه لم يعزب عنه شئ. قال: والذي نختاره أن تكون الآية محكمة، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي. وقد روي عن عائشة أنها قالت: أما ما أعلنت، فالله يحاسبك به، وأما ما أخفيت، فما عجلت لك به العقوبة في الدنيا، والقول الثاني: أنه أمر خاص في نوع من المخفيات، ولأرباب هذا القول فيه قولان:
أحدهما: أنه كتمان الشهادة قاله ابن عباس في رواية، وعكرمة والشعبي.
والثاني: أنه الشك واليقين، قاله مجاهد. فعلى هذا المذكور تكون الآية محكمة.
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (285) قوله [تعالى]: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " قال أبو بكر النقاش: معناه: كفتاه عن قيام الليل. وقيل: إنهما نزلتا على سبب، وهو ما روى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما أنزل الله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) اشتد ذلك على أصحاب النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين، من قبلكم: سمعنا وعصينا؟
قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير " فلما قالوها فذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها (آمن الرسول) قال الزجاج: لما ذكر ما تشتمل عليه هذه السورة من القصص والأحكام ختمها