من المستقبل، ونظيره: لا تبع من مالي إلا ما بعت، ولا تأكل إلا ما أكلت، ومنه (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) المعنى لكن ما قد سلف فلا جناح عليكم فيه. وقال المبرد: جاز أن يكون (كان) زائدة في قوله (إنه كان فاحشة) فالمعنى:
إنه فاحشة، وأنشد في ذلك قول الشاعر:
فكيف إذا حللت بدار قوم * وجيران لنا كانوا كرام (1) قال الزجاج: هذا غلط منه، لأنه لو (كان) زائدة، لم يكن ينصب خبرها، والدليل عليه البيت الذي أنشده وجيران لنا كانوا كرام، ولم يقل كراما. قال علي بن عيسى: إنما دخلت (كان) ليدل على أن ذلك قبل تلك الحال فاحشة أيضا، كما دخلت في قوله (وكان الله غفورا رحيما). وقوله (وساء سبيلا): أي بئس طريقا ذلك الطريق، ف (سبيلا) منصوب على التمييز، وفاعل (ساء) مضمر، يفسره الظاهر، والمخصوص بالذم محذوف.
النزول: قيل: نزلت فيما كان يفعله أهل الجاهلية من نكاح امرأة الأب، عن ابن عباس، وقتادة، وعكرمة، وعطاء. وقالوا: تزوج صفوان بن أمية امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب، وتزوج حصين بن أبي قيس امرأة أبيه كبيشة بنت معن، وتزوج منظور بن ريان بن المطلب امرأة أبيه مليكة بنت خارجة، قال أشعث بن سوار:
توفي أبو قيس، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه، فقالت:
إني أعدك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأستأمره، فأتته فأخبرته، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إرجعي إلى بيتك " فأنزل الله هذه الآية.
المعنى: لما تقدم ذكر شرائط النكاح، عقبه تعالى بذكر من تحل له من النساء، ومن لا تحل، فقال: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء): أي لا تتزوجوا ما تزوج آباؤكم. وقيل: ما وطأ آباؤكم من النساء حرم عليكم ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من نكاح امرأة الأب، عن ابن عباس، وقتادة، وعطاء، وعكرمة.