وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله. وقال بعضهم: إنه غير منسوخ، لان الحبس لم يكن مؤبدا، بل كان مستندا إلى غاية، فلا يكون بيان الغاية نسخا له، كما لو قال افعلوا كذا إلى رأس الشهر. وقد فرق بين الموضعين، فإن الحكم المعلق بمجئ رأس الشهر، لا يحتاج إلى بيان صاحب الشرع، بخلاف ما في الآية.
وقوله (واللذان يأتيانها منكم) أي يأتيان الفاحشة، وفيه ثلاثة أقوال أحدها:
أنهما الرجل والمرأة، عن الحسن، وعطا وثانيها: أنهما البكران من الرجال والنساء، عن السدي، وابن زيد وثالثها: أنهما الرجلان الزانيان، عن مجاهد.
وهذا لا يصح، لأنه لو كان كذلك لما كان للتثنية معنى، لان الوعد والوعيد، إنما يأتي بلفظ الجمع، فيكون لكل واحد منهم، أو بلفظ الواحد، لدلالته على الجنس.
فأما التثنية فلا فائدة فيها. وقال أبو مسلم: هما الرجلان يخلوان بالفاحشة بينهما، والفاحشة في الآية الأولى عنده السحق، وفي الآية الثانية اللواط، فحكم الآيتين عنده ثابت غير منسوخ، وإلى هذا التأويل ذهب أهل العراق، فلا حد عندهم في اللواط والسحق. وهذا بعيد لأن الذي عليه جمهور المفسرين، أن الفاحشة في آية الزنا، وأن الحكم في الآية منسوخ بالحد المفروض في سورة النور، ذهب إليه الحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، والضحاك، وغيرهم، وإليه ذهب البلخي، والجبائي، والطبري. وقال بعضهم: نسخها الحدود بالرجم، أو الجلد. وقوله (فآذوهما): قيل في معناه قولان أحدهما: هو التعيير باللسان، والضرب بالنعال، عن ابن عباس والآخر: إنه التعيير والتوبيخ باللسان، عن قتادة والسدي، ومجاهد.
واختلف في الأذى والحبس [في الثيبين] (1) كيف كان، فقال الحسن: كان الأذى أولا، والآية الأخيرة نزلت من قبل، ثم أمرت أن توضع في التلاوة من بعد، فكان الأول الأذى، ثم الحبس، ثم الجلد، أو الرجم. وقال السدي: كان الحبس في الثيبين، والأذى في البكرين، وقيل: كان الحبس للنساء، والأذى للرجال. وقال الفراء: إن الآية الأخيرة نسخت الآية الأولى.
وقوله (فإن تابا): أي رجعا عن الفاحشة، (وأصلحا) العمل فيما بعده، (فأعرضوا عنهما): أي اصفحوا عنهما، وكفوا عن أذاهما. (إن الله كان توابا رحيما)، يقبل التوبة عن عباده، ويرحمهم. قال الجبائي: في الآية دلالة على