مع اجتناب المحرمات.
المعنى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) أي: إثم وحرج (فيما طعموا) من الخمر والميسر، قبل نزول التحريم، وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام: فيما طعموا من الحلال، وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب جميعا (إذا ما اتقوا) شربها بعد التحريم (وأمنوا) بالله (وعملوا الصالحات) أي:
الطاعات (ثم اتقوا) أي: داموا على الاتقاء (وآمنوا) أي: داموا على الإيمان (ثم اتقوا) بفعل الفرائض (وأحسنوا) بفعل النوافل.
وعلى هذا يكون الاتقاء الأول: اتقاء الشرب بعد التحريم، والاتقاء الثاني هو الدوام على ذلك. والاتقاء الثالث: اتقاء جميع المعاصي، وضم الإحسان إليه.
وقيل: إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي تختص المكلف، ولا تتعداه.
والإيمان الأول هو الإيمان بالله تعالى وبما أوجب الله تعالى الإيمان به، والإيمان بقبح هذه المعاصي، ووجوب تجنبها. والاتقاء الثاني هو اتقاء المعاصي السمعية، والإيمان بقبحها، ووجوب اجتنابها. والاتقاء الثالث: يختص بمظالم العباد وبما يتعدى إلى الغير من الظلم والفساد.
وقال أبو علي الجبائي: إن الشرط الأول يتعلق بالزمان الماضي، والشرط الثاني يتعلق بالدوام على ذلك، والاستمرار على فعله، والشرط الثالث يختص بمظالم العباد، ثم استدل على أن هذا الاتقاء يختص بمظالم العباد بقوله:
(أحسنوا) فإن الإحسان إذا كان متعديا، وجب أن تكون المعاصي التي أمروا باتقائها قبله أيضا متعدية، وهذا ضعيف لأنه لا تصريح في الآية بأن المراد به الإحسان المتعدي، ولا يمتنع أن يريد بالإحسان فعل الحسن والمبالغة فيه، وإن اختص الفاعل، ولا يتعداه، كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن: أحسنت وأجملت، ثم لو سلم أن المراد به الإحسان المتعدي، فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعد على فعل لا يتعدى؟ ولو صرح تعالى فقال: واتقوا القبائح كلها، وأحسنوا إلى غيرهم، لم يمتنع. ولعل أبا علي إنما عدل في الشرط الثالث عن ذكر الأحوال، لما ظن أنه لا يمكن فيه ما أمكن في الأول والثاني، وهذا ممكن غير ممتنع بأن يحمل الشرط الأول على الماضي، والثاني على الحال، والثالث على المنتظر المستقبل. ومتى قيل:
إن المتكلمين عندهم لا واسطة بين الماضي والمستقبل، فإن الفعل إما أن يكون