بنبيهم وكتابهم، أقرب وإنما فعلوا ذلك حسدا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) يعني الذين قدمنا ذكرهم من النجاشي ملك الحبشة، وأصحابه، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطا، والسدي، والذين جاؤوا مع جعفر مسلمين، عن مجاهد (ذلك بأن منهم) أي: من النصارى (قسيسين) أي: عبادا، عن ابن زيد. وقيل: علماء، عن قطرب. وقيل: إن النصارى ضيعت الإنجيل، وأدخلوا فيه ما ليس فيه، وبقي من علمائهم واحد على الحق والاستقامة، فهو قسيسا، فمن كان على هداه ودينه فهو قسيس.
(ورهبانا) أي: أصحاب الصوامع (وأنهم لا يستكبرون) معناه: أن هؤلاء النصارى الذين آمنوا، لا يستكبرون عن اتباع الحق، والانقياد له، كما استكبر اليهود وعباد الأوثان، وأنفوا عن قبول الحق. أخبر الله تعالى في هذه الآية عن عداوة مجاوري النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود، ومودة النجاشي وأصحابه الذين أسلموا معه من الحبشة، لان الهجرة كانت إلى المدينة، وبها اليهود، وإلى الحبشة، وبها النجاشي وأصحابه، ثم وصفهم فقال:
(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) من القرآن (ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) أي: لمعرفتهم بأن المتلو عليهم كلام الله، وأنه حق (يقولون ربنا آمنا) أي: صدقنا بأنه كلامك أنزلته على نبيك (فاكتبنا) أي: فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودون. وقيل: فاكتبنا في أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ (مع الشاهدين) أي: مع محمد وأمته الذين يشهدون بالحق، عن ابن عباس. وقيل:
مع الذين يشهدون بالايمان، عن الحسن. وقيل: مع الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك، عن الجبائي.
(وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق) معناه: لأي عذر لا نؤمن بالله؟
وهذا جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا لهم: لم آمنتم، عن الزجاج. وقيل:
إنهم قدروا في أنفسهم كأن سائلا سألهم عنه، فأجابوا بذلك. والحق: هو القرآن والإسلام، ووصفه بالمجئ مجازا، كما يقال: نزل، وإنما نزل به الملك، فكذلك جاء به الملك. وقيل: إن جاء بمعنى حدث نحو قوله: (جاءت سكرة الموت بالحق). (ونطمع) أي: نرجو ونأمل (أن يدخلنا ربنا) يعني في الجنة لإيماننا بالحق، فحذف لدلالة الكلام عليه، (مع القوم الصالحين) المؤمنين من أمة محمد.