خمرا لأنها بالسكر تغطي على العقل، وأصله في الباب: التغطية، من قولهم خمرت الإناء: إذا غطيته. ودخل في خمار الناس: إذا خفي فيما بينهم. والميسر: القمار كله من تيسير أمر الجزور بالاجتماع على القمار فيه، وأصله من اليسر: خلاف العسر. وسميت اليد اليسرى تفاؤلا بتيسير العمل بها. وقيل: لأنها تعين اليد اليمنى، فيكون العمل أيسر. والأنصاب: الأصنام واحدها نصب، وسمي ذلك، لأنها كانت تنصب للعبادة لها، والانتصاب: القيام، ومنه النصب: التعب عن العمل الذي ينتصب له. ونصاب السكين: لأنه ينصب فيه. ومناصبة العدو: الانتصاب لعداوته، قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه، * ولا تعبد الشيطان، والله فاعبدا والأزلام: القداح، وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار. وقد ذكرنا ما قيل فيها في أول السورة والرجز: بالزاي، هو العذاب. وأصل الرجز: تتابع الحركات. يقال ناقة رجزاء: إذا كانت ترتعد قوائمها في ناحية. قال الزجاج: الرجس في اللغة:
اسم لكل ما استقذر من عمل، يقال: رجس، يرجس، ورجس يرجس: إذا عمل عملا قبيحا. والرجس بفتح الراء: شدة الصوت. يقال: رعد رجاس: شديد الصوت، فكأن الرجس الذي يقبح ذكره، ويرتفع في القبح.
المعنى: ثم عطف الله تعالى على ما بين من الاحكام، بالنهي عن أفعال أهل الجاهلية، والنقل عنها إلى شريعة الاسلام، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) مر معناهما في سورة البقرة. قال ابن عباس: يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخمر من تسع: من البتع وهو العسل، ومن العنب، ومن الزبيب، ومن التمر، ومن الحنطة، ومن الذرة، ومن الشعير، والسلت. وقال في الميسر يريد القمار، وهو في أشياء كثيرة انتهى كلامه.
(والأنصاب والأزلام) ذكرناهما في أول السورة.
(رجس من عمل الشيطان) لا بد من أن يكون في الكلام حذف، والمعنى شرب الخمر وتناوله، أو التصرف فيه، وعبادة الأنصاب، والاستقسام بالأزلام، رجس أي: خبيث من عمل الشيطان، وإنما نسبها إلى الشيطان، وهي أجسام من فعل الله، لما يأمر به الشيطان فيها من الفساد، فيأمر بشرب المسكر ليزيل العقل، ويأمر بالقمار ليستعمل فيه الأخلاق الدنية، ويأمر بعبادة الأصنام لما فيها من الشرك