موجودا فيكون ماضيا، وإما أن يكون معدوما فيكون مستقبلا، وإنما ذكر الأحوال الثلاثة النحويون فجوابه: إن الصحيح أنه لا واسطة في الوجود بين المعدوم والموجود، كما ذكرت، غير أن الموجود في أقرب الزمان لا يمتنع أن نسميه حالا، ونفرق بينه وبين الغابر السالف، والغابر المنتظر.
ووجدت السيد الأجل المرتضى علي بن الحسين الموسوي ذكر في بعض مسائله أن المفسرين تشاغلوا بإيضاح الوجه في التكرار الذي تضمنته هذه الآية، وظنوا أنه المشكل فيها، وتركوا ما هو أشد إشكالا من التكرار، وهو أنه تعالى نفى الجناح عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيما يطعمونه بشرط الاتقاء والإيمان وعمل الصالحات، والإيمان وعمل الصالحات ليس بشرط في نفي الجناح، فإن المباح إذا وقع من الكافر، فلا إثم عليه ولا وزر.
قال: ولنا في حل هذه الشبهة طريقان أحدهما: أن يضم إلى المشروط المصرح بذكره غيره، حتى يظهر تأثير ما شرط، فيكون تقدير الآية: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره، إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، لأن الشرط في نفي الجناح لا بد من أن يكون له تأثير حتى يكون متى انتفى، ثبت الجناح. وقد علمنا أن باتقاء المحارم ينتفي الجناح، فيما يطعم، فهو الشرط الذي لا زيادة عليه. ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان، وعمل الصالحات، ولا تأثير لهما في نفي الجناح، علمنا أنه أضمر ما تقدم ذكره ليصح الشرط، ويطابق المشروط، لان من اتقى المحارم فيما لا يطعم، لا جناح عليه فيما يطعمه، ولكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح، فيما أخل به من واجب، أو ضيعه من فرض، فإذا شرطنا انه وقع اتقاء القبيح ممن آمن بالله وعمل الصالحات، ارتفع الجناح عنه من كل وجه، وليس بمنكر حذف ما ذكرناه لدلالة الكلام عليه، فمن عادة العرب أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى وتكون قوة الدلالة عليه مغنية عن النطق به، ومثله قول الشاعر:
تراه كأن الله يجدع أنفه * وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (1) لما كان الجدع لا يليق بالعين، وكانت معطوفة على الانف الذي يليق الجدع