يحتسب، ولا يطرح، ومنه الحسب: لأنه مما يحتسب ولا يطرح لأجل الشرف، ومنه قولهم حسبك: أي يكفيك، لأنه بحساب الكفاية، ومنه احتساب الاجر: لأنه فيما يحتسب ولا يلغى. والفتنة ههنا العقوبة، وأصله الاختبار، ومنه افتتن فلان بفلانة: إذا هويها، لأنه ظهر ما يطوي من خبره بها. وفتنت الذهب بالنار: إذا خلصته ليظهر خبره في نفسه، متميزا من شائب غيره.
الاعراب: اللام في لقد: لام القسم، ونصب فريقا في الموضعين بأنه مفعول به، قال أبو علي الفارسي: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدل على ثبات الشئ واستقراره، وذلك نحو العلم، واليقين، والتبيين. وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات، وفعل يجذب مرة إلى هذا القبيل، ومرة إلى هذا القبيل. فما كان معناه العلم وقع بعده إن الثقيلة، ولم يقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل، وذلك أن الثقيلة معناها ثبات الشئ واستقراره. والعلم بأنه كذلك أيضا فإذا وقع عليه واستعمل معه كان وفقه، وأن الناصبة للفعل لا تقع على ما كان ثابتا مستقرا، فمن استعمال الثقيلة بعد العلم قوله: (ويعلمون أن الله هو الحق المبين). (أو لم يعلم بأن الله يرى) لان الباء زائدة. وأما ما كان معناه ما لم يثبت، ولم يستقر، فنحو: أطمع، وأخاف، وأرجو، وأخشى، ونحو ذلك. ويستعمل بعده الخفيفة الناصبة للفعل قال تعالى (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي). (وتخافون أن يتخطفكم الناس). (فخشينا أن يرهقهما) وأما ما يجذب مرة إلى هذا الباب، ومرة إلى هذا الباب، فنحو حسبت، وظننت، وزعمت، وهذا النحو يجعل مرة بمنزلة أرجو وأطمع من حيث كان أمرا غير مستقر، ومرة يجعل بمنزلة العلم من حيث يستعمل استعماله، ومن حيث كان خلافه. والشئ قد يجري مجرى الخلاف نحو: عطشان وريان. فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم. حكى سيبويه:
ظننت لتسبقني، وظنوا ما لهم من محيص، كما قالوا: ولقد علمت لتأتين منيتي.
ولقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض.
وكلهم قرأ فتنة بالرفع لأنهم جعلوا كان بمنزلة وقع، ولو نصب فقيل: أن لا تكون فتنة على أن لا يكون قوله فتنة، لكان جائزا في العربية، وإنما رفع لاتباع الأثر، وإنما حسن وقوع أن الخفيفة من الشديدة، في قراءة من رفع، وإن كان بعده فعل، لدخول لا ولكونها عوضا عن حذف الضمير معه، وإيلائه ما لم يكن يليه، ولو