وقال قوم: إنه خطاب لليهود والنصارى، لان اليهود غلوا أيضا في تكذيب عيسى ومحمد (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) أي: لا تتجاوزوا الحد الذي حده الله لكم إلى الازدياد، وضده التقصير، وهو الخروج عن الحد إلى النقصان، والزيادة في الحد، والنقصان عنه، كلاهما فساد. ودين الله الذي أمر به هو بين الغلو والتقصير، وهو الاقتصار. (غير الحق) أي: مجاوزين الحق إلى الغلو وإلى التقصير، فيفوتكم الحق. ومن قال: إن الخطاب لليهود والنصارى، فغلوا النصارى في عيسى: ادعاؤهم له الإلهية، وغلو اليهود فيه: تكذيبهم له، ونسبتهم إياه إلى أنه لغير رشدة (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل) قال ابن عباس: كل هوى ضلالة، يعني بالقوم الذين ضلوا من قبل رؤساء الضلالة من فريقي اليهود والنصارى.
والآية خطاب للذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نهوا أن يتبعوا أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم، وأن يقلدوهم فيما هووا. والأهواء ههنا المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة، لان الانسان قد يستثقل النظر لما فيه من المشقة، ويميل طبعه إلى بعض المذاهب، فيعتقده، وهو ضلال، فيهلك به. والاتباع هو سلوك الثاني طريقة الأول على وجه الاقتداء به، وقد يتبع الثاني الأول في الحق، وقد يتبعه في الباطل، وإنما يعلم أحدهما بدليل (وأضلوا كثيرا) يعني به هؤلاء الذين ضلوا عن الحق، أضلوا كثيرا من الخلق أيضا، ونسب الاضلال إليهم من حيث كان بدعائهم، وإغوائهم (وضلوا عن سواء السبيل) قيل في معناه قولان أحدهما: إنهم ضلوا بإضلالهم غيرهم، عن الزجاج والثاني: إنهم ضلوا من قبل، بكفرهم بعيسى، وأضلوا غيرهم من بعد، بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلذلك كرر. ومعنى سواء السبيل: مستقيم الطريق. وقيل له سواء، لاستمراره على استواء. وقيل: لأنه يستقيم بصاحبه إلى الجنة والخلود في النعيم.
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون [78] كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [79] ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خلدون [80]