كما حذفت من قوله: (قد أفلح من زكاها): فجوابه: إن ذلك لا يجوز، لان إنما حذفت من (قد أفلح) لطول الكلام لما اعترض بين القسم والمقسم عليه، ولم يطل في هذا الموضع، فيستجاز حذفها، وإنما هذه اللام بمنزلة أن في قولك والله أن لو فعلت لفعلت تثبتها تارة، وتحذفها أخرى، والقسم لا يعتمد على هذه اللام، كما لا يعتمد على أن هذه، أنشد سيبويه:
فأقسم أن لو (1) التقينا وأنتم * لكان لكم يوم من الشر مظلم فالذي اعتمد عليه أقسم قوله لكان دون أن، ألا ترى أنك تقول: أقسمت لو جئت لجئت، فتحذف أن كما تحذف هذه اللام، فهذه اللام من الزيادات التي إذا أدخلت أكدت، وإذا سقطت لم يخل سقوطها بالكلام، إلا أن زيادتها في القسم دون غيره، كما أن إن تزاد في قولهم ما ان في النفي دون غيره. وعلى هذا فيكون المعقود بالقسم في قولك: لئن أتيتني لأكرمتك إنما هو لأكرمتك، ولكن الشرط يكون كالاستثناء من هذه الجملة المعقودة بالقسم، كأنك أردت أن تقسم على البتات أن تكرمه، ثم بدا لك إذا أردت ذلك، ثم علقت إكرامك إياه بإتيانه، فصار التقدير:
والله لأكرمتك إن أتيتني أي: إن أتيتني لأكرمتك، فاستغنيت عن ذكر الجزاء لتقدير تقديم ما يدل عليه. فقولك: لأن أتيتني، متصل بما يدل عليه لأكرمتك من الجزاء.
هذا الاتصال وهذه الجملة قد لخصتها من كلام الشيخ أبي علي.
المعنى: ثم عاد تعالى إلى ذكر النصارى، فقال: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وهذا مذهب اليعقوبية منهم، لأنهم قالوا: إن الله اتحد بالمسيح اتحاد الذات، فصارا شيئا واحدا، وصار الناسوت لاهوتا، وذلك قولهم إنه الاله (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) أي: خالقي وخالقكم، ومالكي ومالككم، وإني وإياكم عبيده (إنه من يشرك بالله) أي بأن يزعم أن غيره يستحق العبادة مع ما ثبت أنه لا يقدر أحد على فعل ما يستحق به العبادة، سوى الله تعالى (فقد حرم الله عليه الجنة) والتحريم هاهنا تحريم منع، لا تحريم عبادة، ومعناه فإن الله يمنعه الجنة (ومأواه) أي: مصيره (النار) وهذا كله إخبار من المسيح لقومه (وما للظالمين من أنصار) معناه: لا ناصر لهم يخلصهم مما هم فيه