اللغة: للتناهي هاهنا معنيان أحدهما: إنه تفاعل من النهي أي: كانوا لا ينهى بعضهم بعضا والثاني: إنه بمعنى الانتهاء. يقال: انتهى عن الامر، وتناهى عنه:
إذا كف عنه.
الاعراب: (لبئس ما): يجوز أن يكون ما ههنا كافة لبئس، كما تكف في إنما ولكنما وبعدما وربما. واللام فيه للقسم، ويجوز أن يكون اسما نكرة، فكأنه قال:
بئس شيئا فعلوه، كما تقول بئس رجلا كان عندك، ومحل (أن سخط الله عليهم) رفع، كرفع زيد في قولك: بئس رجلا زيد، فيكون مبتدأ، وبئس وما عملت فيه خبره، أو يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه لما قال بئس رجلا، قيل: من هو؟
فقال: زيد، أي: هو زيد، ويجوز أن يكون محله نصبا على تأويل بئس الشئ ذلك، لان سخط الله عليهم.
المعنى: ثم أخبر تعالى عما جرى على أسلافهم فقال: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) قيل في معناه أقوال أحدها: إن معناه لعنوا على لسان داود، فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى، فصاروا خنازير، وإنما خص عيسى وداود، لأنهما أنبه الأنبياء المبعوثين من بعد موسى، ولما ذكر داود أغنى عن ذكر سليمان، لان قولهما واحد، عن الحسن، ومجاهد، وقتادة. وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: " أما داود فإنه لعن أهل أيلة لما اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين (1)، فمسخهم الله قردة فأما عيسى عليه السلام، فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك ". وثانيها: ما قاله ابن عباس: " إنه يريد في الزبور وفي الإنجيل "، ومعنى هذا إن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل، وفي الإنجيل كذلك، فلذلك قيل: (على لسان داود وعيسى). وثالثها: أن يكون عيسى وداود علما أن محمدا نبي مبعوث، ولعنا من يكفر به، عن الزجاج. والأول أصح، والمراد أن الله أيسهم من المغفرة مع الإقامة على الكفر، لدعاء الأنبياء عليهم بالعقوبة، ودعوتهم مستجابة، وإنما ذكر اللعن على لسانهما، إزالة للابهام بأن لهم منزلة بولادة الأنبياء، تنجيهم من العقوبة.
(ذلك) إشارة إلى اللعن المتقدم ذكره (بما عصوا وكانوا يعتدون) أي: