السدس إذا كان هناك أب، ويدل عليه ما تقدمه من قوله (وورثه أبواه) فإن هذه الجملة معطوفة على قوله (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وتقديره: فإن كان له إخوة، وورثه أبواه، فلأمه السدس. وقال بعض أصحابنا: إن لها السدس مع وجود الأخوة، وإن لم يكن هناك أب، وبه قال جميع الفقهاء، واتفقوا على أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا تحجب الأم عن الثلث إلى السدس، بأقل من ثلاثة من الأخوة والأخوات كما تقتضيه ظاهر الآية. وأصحابنا يقولون: لا تحجب الأم عن الثلث إلى السدس إلا بالأخوين، أو أخ وأختين، أو أربع أخوات من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب خاصة دون الأم، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، قالوا: والعرب تسمي الاثنين بلفظ الجمع في كثير من كلامهم، حكى سيبويه أنهم يقولون: " وضعا رحالهما " يريدون رحلي راحلتيهما. وقال تعالى: (وكنا لحكمهم شاهدين): يعني حكم داود وسليمان.
وقال قتادة: إنما تحجب الأخوة الأم مع أنهم لا يرثون من المال شيئا، معونة للأب، لان الأب يقوم بنفقتهم ونكاحهم دون الأم. وهذا يدل على أنه ذهب إلى أن الاخوة للأم لا يحجبون على ما ذهب إليه أصحابنا، لان الأب لا يلزمه نفقتهم بلا خلاف.
(من بعد وصية يوصي بها أو دين): أي تقسم التركة على ما ذكرنا بعد قضاء الديون، وإقرار الوصية، ولا خلاف في أن الدين مقدم على الوصية والميراث، وإن أحاط بالمال. فأما الوصية فقد قيل إنها مقدمة على الميراث. وقيل: بل الموصى له شريك الوارث له الثلث، ولهم الثلثان. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
إنكم تقرأون في هذه الآية الوصية قبل الدين، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدين قبل الوصية. والوجه في تقديم الدين على الوصية في الآية: إن لفظ (أو) إنما هو لأحد الشيئين، أو الأشياء، ولا يوجب الترتيب، فكأنه قال من بعد أحد هذين مفردا، أو مضموما إلى الآخر، وهذا كقولهم جالس الحسن، أو ابن سيرين: أي جالس أحدهما مفردا، أو مضموما إلى الآخر.
(آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا): ذكر فيه وجوه أحدها: إن معناه لا تدرون أي هؤلاء أنفع لكم في الدنيا، فتعطونه من الميراث، ما يستحق، ولكن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة، عن مجاهد. وثانيها: إن معناه: لا تدرون بأيهم أنتم أسعد في الدنيا والدين، والله يعلمه، فاقتسموه على ما بينه من المصلحة فيه، عن الحسن وثالثها: إن معناه لا تدرون أن نفعكم بتربية