وثالثها: أنها وردت في حرمان ذوي القربى أن يوصى لهم، بأن يقول الحاضر: لا توص لأقاربك، ووفر على ورثتك. وقوله (خافوا عليهم): معناه خافوا من جفاء يلحقهم، أو ظلم يصيبهم، أو غضاضة، أو ضعة. (فليتقوا الله):
أي فليتق كل واحد من هؤلاء في يتامى غيره أن يجفوهم ويظلمهم، وليعاملهم بما يحب أن يعامل به يتاماه، بعد موته. وقيل: فليتقوا الله في الإضرار بالمؤمنين.
(وليقولوا قولا سديدا): أي مصيبا عدلا موافقا للشرع والحق. وقيل: انه يريد قولا لا خلل فيه. وقيل: معناه فليخاطبوا اليتامى بخطاب حسن، وقول جميل.
وفي معنى الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " من سره أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فليأته منيته، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويحب أن يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ". ونهى رسول الله أن يوصى بأكثر من الثلث، وقال: " والثلث كثير ". وقال لسعد: " لأن تدع ورثتك أغنياء، أحب إلي من أن تدعهم عالة، يتكففون الناس ".
ثم أوعد الله آكلي مال اليتيم نار جهنم وقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما): أي ينتفعون بأموال اليتامى، ويأخذونها ظلما بغير حق، ولم يرد به قصر الحكم على الأكل، الذي هو عبارة عن المضغ والابتلاع، وفائدة تخصيص الأكل بالذكر أنه معظم منافع المال المقصودة، فذكره الله تنبيها على ما في معناه من وجوه الانتفاع، وكذلك معنى قوله (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تأكلوا الربى)، وإنما علق الوعيد بكونه ظلما، لأنه قد يأكله الانسان على وجه الاستحقاق، بأن يأخذ منه أجرة المثل، أو يأكل منه بالمعروف، أو يأخذه قرضا على نفسه، على ما تقدم القول في ذلك، فلا يكون ظلما.
فإن قيل: إذا أخذه قرضا، أو أجرة المثل، فإنما أكل مال نفسه، ولم يأكل مال اليتيم؟ فجوابه: لا، بل يكون آكلا مال اليتيم، لكن لا على وجه يكون ظلما، بأن ألزم عوضه على نفسه، أو استحقه بالعمل. ولو سلمنا ذلك لجاز أن يكون إنما ذكر كونه ظلما لضرب من التأكيد والبيان، لان أكل مال اليتيم لا يكون إلا ظلما.
وسئل الرضا: كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية؟
فقال: " قليله وكثيره واحد إذا كان من نيته أن لا يرده إليهم ".
وقوله (إنما يأكلون في بطونهم نارا): قيل فيه وجهان: أحدهما: إن النار