وكذلك القول في كبير أناس في بجاد مزمل فتقديره مزمل كبيره، فبطل الإعراب بالمجاورة جملة. وهذا واضح لمن تدبره.
وأما من جعله مثل قول الشاعر: (علفتها تبنا وماء باردا) كأنه قدر في الآية واغسلوا أرجلكم فقوله أبعد من الجميع، لان مثل ذلك لو جاز في كتاب الله تعالى على ضعفه وبعده في سائر الكلام، فإنما يجوز إذا استحال حمله على ظاهره. وأما إذا كان الكلام مستقيما، ومعناه ظاهرا، فكيف يجوز مثل هذا التقدير الشاذ البعيد.
وأما ما قاله أبو علي في القراءة بالنصب، على أنه معطوف على الأيدي، فقد أجاب عنه المرتضى (ره) بأن قال: جعل التأثير في الكلام للقريب، أولى من جعله للبعيد، فنصب الأرجل عطفا على الموضع، أولى من عطفها على الأيدي والوجوه.
على أن الجملة الأولى المأمور فيها بالغسل، قد نقضت وبطل حكمها، باستئناف الجملة الثانية، ولا يجوز بعد انقطاع حكم الجملة الأولى، أن تعطف على ما فيها، فإن ذلك يجري مجرى قولهم: ضربت زيدا وعمرا، وأكرمت خالدا وبكرا، فإن رد بكر إلى خالد في الإكرام هو الوجه في الكلام الذي لا يسوغ سواه، ولا يجوز رده إلى الضرب الذي قد انقطع حكمه. ولو جاز ذلك أيضا لترجح ما ذكرناه لتطابق معنى القراءتين، ولا يتنافيان.
فأما ما روي في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ويل للعراقيب من النار " وغير ذلك من الأخبار التي رووها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه توضأ، وغسل رجليه، فالكلام في ذلك أنه لا يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن المعلوم بظاهر الأخبار، الذي لا يوجب علما، وإنما يقتضي الظن على أن هذه الأخبار معارضة بأخبار كثيرة وردت من طرقهم، ووجدت في كتبهم، ونقلت عن شيوخهم، مثل ما روي عن أوس بن أوس (1) أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، توضأ، ومسح على نعليه، ثم قام فصلى. وعن حذيفة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سباطة (2) قوم، فبال عليها، ثم دعا بماء، فتوضأ، ومسح على قدميه. وذكره أبو عبيدة في غريب الحديث إلى غير ذلك، مما يطول ذكره. وقوله: " ويل للعراقيب من النار " فقد روي فيه أن قوما من أجلاف الأعراب