باردا. وأما القراءة بالنصب، فقالوا فيه: إنه معطوف على (أيديكم) لأنا رأينا فقهاء الأمصار، عملوا على الغسل دون المسح، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى قوما توضأوا وأعقابهم تلوح، فقال: " ويل للعراقيب من النار " ذكره أبو علي الفارسي وأما من قال بوجوب مسح الرجلين حمل الجر والنصب في (وأرجلكم) على ظاهره، من غير تعسف، فالجر للعطف على الرؤوس، والنصب للعطف على موضع الجار والمجرور، وأمثال ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى، قالوا: ليس فلان بقائم، ولا ذاهبا وأنشد:
معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا (1) وقال تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق فعطف عبد على موضع دينار، فإنه منصوب على المعنى، وأبعد من ذلك قول الشاعر:
جئني بمثل بني بدر لقومهم * أو مثل إخوة منظور بن سيار فإنه لما كان معنى جئني هات، أو أحضر لي مثله، عطف بالنصب على المعنى، وأجابوا الأولين عما ذكروه في وجه الجر والنصب بأجوبة نوردها على وجه الإيجاز، قالوا: ما ذكروه أولا من أن المراد بالمسح الغسل فباطل من وجوه أحدها:
إن فائدة اللفظين في اللغة والشرع مختلفة في المعنى. وقد فرق الله سبحانه بين الأعضاء المغسولة، وبين الأعضاء الممسوحة، فكيف يكون معنى المسح والغسل واحدا.
وثانيها: إن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤوس، وكان الفرض في الرؤوس المسح الذي ليس بغسل، بلا خلاف، فيجب أن يكون حكم الأرجل كذلك، لأن حقيقة العطف تقتضي ذلك. وثالثها: إن المسح لو كان بمعنى الغسل، لسقط استدلالهم بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه توضأ، وغسل رجليه، لأن على هذا لا ينكر أن يكون مسحهما، فسموا المسح غسلا، وفي هذا ما فيه. فأما استشهاد أبي زيد