ما يمسكه الكلب، فإن في جملته ما هو حرام من الدم، والفرث، والغدد، وغير ذلك، مما لا يجوز أكله. فمعناه: فكلوا ما أباح الله لكم أكله، مما أمسكن عليكم.
النزول: عن أبي رافع قال: جاء جبرائيل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يستأذن عليه، فأذن له، وقال: قد أذنا لك يا رسول الله. قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب. قال أبو رافع: فأمرني رسول الله أن أقتل كل كلب بالمدينة، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمة لها، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فأمرني، فرجعت وقتلت الكلب، فجاؤوا فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتل كلبها؟ فسكت رسول الله فأنزل الآية، فأذن رسول الله في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيها، وأمر بقتل العقور، وما يضر ويؤذي. وعن أبي حمزة الثمالي، والحكم بن ظهيرة: إن زيد الخيل، وعدي بن حاتم الطائيين، أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالا: إن فينا رجلين لهما ستة أكلب، تأخذ بقرة الوحش، والظباء، فمنها ما يدرك ذكاته، ومنها ما يموت، وقد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا من هذا؟ فأنزل الله (فكلوا مما أمسكن عليكم) وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد الخير.
المعنى: لما قدم سبحانه ذكر المحرمات، عقبه بذكر ما أحل، فقال:
(يسألونك) يا محمد (ماذا أحل لهم) معناه: أي شئ أحل لهم أي: يستخبرك المؤمنون ما الذي أحل لهم من المطاعم والمآكل. وقيل: من الصيد والذبائح (قل) يا محمد (أحل لكم الطيبات) منها، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من المأكولات، والذبائح، والصيد، عن أبي علي الجبائي، وأبي مسلم. وقيل: مما لم يرد بتحريمه كتاب، ولا سنة. وهذا أولى لما ورد أن الأشياء كلها على الإطلاق والإباحة، حتى يرد الشرع بالتحريم. وقال البلخي: الطيبات ما يستلذ (وما علمتم من الجوارح) أي: وأحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح أي:
الكواسب من سباع الطير، والبهائم. فحذف المضاف لدلالة قوله (مما أمسكن عليكم) عليه، ولأنه جواب عن سؤال السائل عن الصيد.
وقيل: الجوارح هي الكلاب فقط، عن ابن عمر، والضحاك، والسدي، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام، فإنهم قالوا: هي الكلاب المعلمة خاصة، أحله الله إذا