قصدوا (أن يبسطوا إليكم أيديهم)، واختلف فيمن بسط إليهم الأيدي على أقوال أحدها: إنهم اليهود هموا بأن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم بنو النضير، دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع جماعة من أصحابه عليهم، وكانوا قد عاهدوه على ترك القتال، وعلى أن يعينوه في الديات، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " رجل من أصحابي أصاب رجلين معهما أمان مني، فلزمني ديتهما، فأريد أن تعينوني " فقالوا: نعم اجلس حتى نطعمك، ونعطيك الذي تسألنا، وهموا بالفتك بهم، فآذن الله به رسوله، فأطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه على ذلك، وانصرفوا " وكان ذلك إحدى معجزاته، عن مجاهد، وقتادة، وأكثر المفسرين وثانيها: إن قريشا بعثوا رجلا ليقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليه وفي يده سيف مسلول، فقال له: أرنيه. فأعطاه. فلما حصل في يده، قال: ما الذي يمنعني من قتلك؟ قال: الله يمنعك. فرمى السيف وأسلم. واسم الرجل عمرو بن وهب الجمحي، بعثه صفوان بن أمية ليغتاله بعد بدر وكان ذلك سبب إسلام عمرو بن وهب، عن الحسن. وثالثها: إن المعني بذلك ما لطف الله للمسلمين من كف أعدائهم عنهم، حين هموا باستئصالهم، بأشياء شغلهم بها، من الأمراض، والقحط، وموت الأكابر، وهلاك المواشي، وغير ذلك من الأسباب التي انصرفوا عندها عن قتل المؤمنين، عن أبي علي الجبائي.
ورابعها: ما قاله الواقدي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزا جمعا من بني ذبيان ومحارب بذي أمر فتحصنوا برؤوس الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يراهم، فذهب لحاجته، فأصابه مطر، فبل ثوبه، فنشره على شجرة، واضطجع تحته، والأعراب ينظرون إليه، فجاء سيدهم دعثور بن الحرث، حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟ فقال: الله، ودفع جبرائيل في صدره، ووقع السيف من يده، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقام على رأسه، وقال: من يمنعك اليوم مني؟ قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فنزلت الآية.
وعلى هذا: فيكون تخليص النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما هموا به، نعمة على المؤمنين من حيث إن مقامه بينهم نعمة عليهم، فلذلك اعتد به عليهم، وقوله (فكف أيديهم عنكم) أي: منعهم عن الفتك بكم. (واتقوا الله) ظاهر المعنى (وعلى الله فليتوكل) أي: فليتق (المؤمنون) بنصر الله، وليتوكلوا عليه، فإن الله تعالى