بقولهم: " تمسحت للصلاة " فالمعنى فيه أنهم لما أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ موجز، ولم يجز أن يقولوا تغسلت للصلاة، لأن ذلك تشبيه بالغسل، قالوا بدلا من ذلك: تمسحت لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضا، فتجوزوا لذلك تعويلا على أن المراد مفهوم. وهذا لا يقتضي أن يكونوا جعلوا المسح من أسماء الغسل.
وأما ما قالوه في تحديد طهارة الرجلين فقد ذكر المرتضى (ره) في الجواب عنه: إن ذلك لا يدل على الغسل، وذلك لان المسح فعل قد أوجبته الشريعة كالغسل، فلا ينكر تحديده كتحديد الغسل، ولو صرح سبحانه فقال: " وامسحوا أرجلكم وانتهوا بالمسح إلى الكعبين " لم يكن منكرا، فإن قالوا: إن تحديد اليدين لما اقتضى الغسل، فكذلك تحديد الرجلين يقتضي الغسل. قلنا: إنا لم نوجب الغسل في اليدين، للتحديد، بل للتصريح بغسلهما، وليس كذلك في الرجلين.
وإن قالوا: عطف المحدود على المحدود أولى وأشبه بترتيب الكلام. قلنا: هذا لا يصح، لأن الأيدي محدودة، وهي معطوفة على الوجوه التي ليست في الآية محدودة، فإذا جاز عطف الأرجل وهي محدودة، على الرؤوس التي ليست محدودة، وهذا أشبه مما ذكرتموه، لأن الآية تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود، وهو الوجه، وعطف عضو محدود مغسول عليه، ثم استؤنف ذكر عضو ممسوح غير محدود، فيجب أن يكون الأرجل ممسوحة، وهي محدودة معطوفة على الرؤوس دون غيره، ليتقابل الجملتان في عطف مغسول محدود، على مغسول غير محدود، وعطف ممسوح محدود، على ممسوح غير محدود.
وأما من قال إنه عطف على الجواز فقد ذكرنا عن الزجاج أنه لم يجوز ذلك في القرآن، ومن أجاز ذلك في الكلام، فإنما يجوز مع فقد حرف العطف، وكل ما استشهد به على الإعراب بالمجاورة فلا حرف فيه حائل بين هذا وذاك، وأيضا فإن المجاورة إنما وردت في كلامهم عند ارتفاع اللبس، والأمن من الاشتباه فإن أحدا لا يشتبه عليه أن خربا لا يكون من صفة الضب، ولفظة مزمل لا يكون من صفة البجاد، وليس كذلك الأرجل، فإنها تجوز أن تكون ممسوحة كالرؤوس، وأيضا فإن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزا في كلام العرب، وقالوا: في " جحر ضب خرب " أنهم أرادوا خرب جحره، فحذف المضاف الذي هو جحر وأقيم المضاف إليه وهو الضمير المجرور مقامه، وإذا ارتفع الضمير استكن في خرب.