موسى، وبعثت منهم اثني عشر نقيبا، فنقضوا ميثاقي وعهدي، فلعنتهم بنقضهم ذلك العهد والميثاق.
وفي الكلام محذوف اكتفي بدلالة الظاهر عليه، وتقديره: فنقضوا ميثاقهم، فلعناهم بنقضهم ذلك الميثاق، والعهد المؤكد أي: طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا على وجه العقوبة، عن عطاء، وجماعة. وقيل: معناه مسخناهم قردة وخنازير، عن الحسن، ومقاتل. وقيل: عذبناهم بالجزية عن ابن عباس. وكان نقضهم الميثاق من وجوه، فمنها أنهم كذبوا الرسل، وقتلوا الأنبياء، ونبذوا الكتاب، وضيعوا حدوده وفرائضه، عن قتادة. ومنها أنهم كتموا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن ابن عباس (وجعلنا قلوبهم قاسية) أي: يابسة غليظة، تنبو عن قبول الحق، ولا تلين، عن ابن عباس ومعناه: سلبناهم التوفيق واللطف الذي تنشرح به صدورهم حتى ران على قلوبهم، ما كانوا يكسبون، وهذا كما يقول الانسان لغيره: أفسدت سيفك إذا ترك تعاهده حتى صدئ، وجعلت أظافيرك سلاحك: إذا لم يقصها. وقيل: معناه بينا عن حال قلوبهم، وما هي عليها من القساوة، وحكمنا بأنهم لا يؤمنون، ولا تنجع فيهم موعظة، عن الجبائي. وقيل: معنى قاسية: رديئة فاسدة مثل الدراهم القسية، إذا كانت زائفة، وهذا راجع إلى معنى اليبس أيضا، لأنها تكون يابسة الصوت لما فيها من الغش والفساد. ويقال للرحيم لين القلب، ولغير الرحيم يابس القلب.
(يحرفون الكلم عن مواضعه) أي: يفسرونه على غير ما أنزل، ويغيرون صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون التحريف بأمرين أحدهما: سوء التأويل، والآخر:
التغيير والتبديل كقوله تعالى (ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله). (ونسوا حظا مما ذكروا به) وتركوا نصيبا مما وعظوا به، ومما أمروا به في كتابهم من اتباع النبي، فصار كالمنسي عندهم، ولو آمنوا به واتبعوه، لكان ذلك لهم حظا. وقيل:
معناه ضيعوا ما ذكرهم الله به في كتابه مما فيه رشدهم، وتركوا تلاوته، فنسوه على مر الأيام (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) يعني على خيانة أي: معصية، عن ابن عباس. وقيل: كذب، وزور، ونقض عهد، ومظاهرة للمشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغير ذلك مما كان يظهر من اليهود، من أنواع الخيانات. وقيل: إن معناه تطلع على فرقة خائنة أي: جماعة خائنة منهم، إذا قالوا قولا خالفوه، وإذا عاهدوا عهدا نقضوه (إلا قليلا منهم) لم يخونوا (فاعف عنهم واصفح) ما داموا