واختلف في معنى الشهر الحرام هنا، فقيل: هو رجب، وكانت مضر تحرم فيه القتال. وقيل: هو ذو القعدة، عن عكرمة. وقيل: هي الأشهر الحرم كلها، نهاهم الله عن القتال فيها، عن الجبائي، والبلخي، وهذا أليق بالعموم. وقيل: أراد به النسئ كقوله (إنما النسئ زيادة في الكفر) عن القتيبي. (ولا الهدي) أي: ولا تستحلوا الهدي: وهو ما يهديه الانسان من بعير، أو بقرة، أو شاة، إلى بيت الله، تقربا إليه، وطلبا لثوابه. فيكون المعنى: ولا تستحلوا ذلك، فتغصبوه أهله، ولا تحولوا بينهم وبين أن تبلغوه محله من الحرم، ولكن خلوهم حتى يبلغوا به المحل الذي جعله الله له.
وقوله (ولا القلائد) معناه: ولا تحلوا القلائد، وفيه أقوال أحدها: إنه عنى بالقلائد الهدي المقلد، وإنما كرر لأنه أراد المنع من حل الهدي الذي لم يقلد، والهدي الذي قلد، عن ابن عباس، واختاره الجبائي. وثانيها: إن المراد بذلك القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج، مقبلين إلى مكة، من لحاء السمر (1)، فإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها إلى المشعر، عن قتادة قال:
كان في الجاهلية، إذا خرج الرجل من أهله، يريد الحج، يقلد من السمر، فلا يتعرض له أحد، وإذا رجع يقلد قلادة شعر، فلا يتعرض له أحد. وقال عطا: إنهم كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم، يأمنون به إذا خرجوا من الحرم. وقال الفراء:
أهل الحرم كانوا يتقلدون بلحاء الشجر، وأهل غير الحرم كانوا يتقلدون بالصوف، والشعر، وغيرهما.
وثالثها: إنه عنى به المؤمنين، نهاهم أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم، يتقلدون به، كما كان المشركون يفعلونه في جاهليتهم، عن عطا في رواية أخرى، والربيع بن أنس. ورابعها: إن القلائد ما يقلد به الهدي، نهاهم عن حلها، لأنه كان يجب أن يتصدق بها، عن أبي علي الجبائي، قال: هو صوف يفتل ويعلق به على عنق الهدي. وقال الحسن: هو نعل يقلد بها الإبل، والبقر، ويجب التصدق بها إن كانت لها قيمة. والأولى أن يكون نهيا عن استحلال القلائد، فيدخل الانسان والبهيمة، أو يكون نهيا عن استحلال حرمة المقلد، هديا كان ذلك، أو انسانا (ولا آمين البيت) أي: ولا تحلوا قاصدين البيت (الحرام) أي: لا تقاتلوهم لأنه من