ثم أقبل من عام قابل حاجا، قد قلد هديا، فأراد رسول الله أن يبعث إليه، فنزلت هذه الآية: (ولا آمين البيت الحرام)، وهو قول عكرمة، وابن جريج. وقال ابن زيد: نزلت يوم الفتح في ناس يأمون البيت من المشركين، يهلون بعمرة، فقال المسلمون: يا رسول الله! إن هؤلاء مشركون مثل هؤلاء، دعنا نغير عليهم، فأنزل الله تعالى الآية.
المعنى: ثم ابتدأ سبحانه بتفصيل الاحكام فقال: (يا أيها الذين آمنوا) أي:
صدقوا الله ورسوله، فيما أوجب عليهم (لا تحلوا شعائر الله) اختلف في معنى شعائر الله على أقوال: أحدها: إن معناه لا تحلوا حرمات الله، ولا تتعدوا حدود الله، وحملوا الشعائر على المعالم أي: معالم حدود الله، وأمره ونهيه، وفرائضه، عن عطاء، وغيره. وثانيها: إن معناه لا تحلوا حرم الله، وحملوا الشعائر على المعالم أي: معالم حرم الله من البلاد، عن السدي وثالثها: إن معنى شعائر الله: مناسك الحج، أي: لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها، عن ابن جريج، وابن عباس.
ورابعها: ما روي عن ابن عباس أن المشركين كانوا يحجون البيت، ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجهم. فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فنهاهم الله عن ذلك. وخامسها: إن شعائر الله هي: الصفا، والمروة، والهدي من البدن، وغيرها، عن مجاهد.
وقال الفراء: كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من شعائر الله، ولا يطوفون بينهما، فنهاهم الله عن ذلك، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
وسادسها: إن المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم، عن ابن عباس، في رواية أخرى. وسابعها: إن الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، نهاهم الله سبحانه أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام، عن أبي علي الجبائي. وثامنها: إن المعنى لا تحلوا الهدايا المشعرة أي: المعلمة، لتهدى إلى بيت الله الحرام، عن الزجاج، والحسين بن علي المغربي، واختاره البلخي. وأقوى الأقوال هو القول الأول، لأنه يدخل فيه جميع الأقوال من مناسك الحج وغيرها، وحمل الآية على ما هو الأعم أولى. (ولا الشهر الحرام) معناه: ولا تستحلوا الشهر الحرام بأن تقاتلوا فيه أعداءكم من المشركين، كما قال تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) عن ابن عباس، وقتادة.