وقيل: تقصر صلاة الخائف من صلاة المسافر، وهما قصران: قصر الأمن من أربع إلى ركعتين، وقصر الخوف من ركعتين إلى ركعة واحدة، عن جابر، ومجاهد، وقد رواه أيضا أصحابنا وثانيها: إن معناه القصر من حدود الصلاة، عن ابن عباس، وطاوس، وهو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف، وإنها تصلى إيماء، والسجود أخفض من الركوع، فإن لم يقدر على ذلك، فالتسبيح المخصوص كاف عن كل ركعة. وثالثها: إن المراد بالقصر الجمع بين الصلاتين. والصحيح الأول.
(إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) يعني: خفتم فتنة الذين كفروا في أنفسكم، أو دينكم. وقيل: معناه إن خفتم أن يقتلكم الذين كفروا في الصلاة، عن ابن عباس. ومثله قوله تعالى (على خوف من فرعون وملائه أن يفتنهم) أي:
يقتلهم. وقيل: معناه أن يعذبكم الذين كفروا بنوع من أنواع العذاب (إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) أي: ظاهري العداوة. وفي قراءة أبي بن كعب: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) من غير أن يقرأ (إن خفتم). وقيل إن معنى هذه القراءة: أن لا يفتنكم. أو كراهة أن يفتنكم، كما في قوله (يبين الله لكم أن تضلوا) وظاهر الآية يقتضي أن القصر لا يجوز إلا عند الخوف، لكنا قد علمنا جواز القصر عند الأمن ببيان النبي، ويحتمل أن يكون ذكر الخوف في الآية، قد خرج مخرج الأعم والأغلب عليهم في أسفارهم، فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها، ومثله في القرآن كثير.
واختلف الفقهاء في قصر الصلاة في السفر: فقال الشافعي: هي رخصة، واختاره الجبائي. وقال أبو حنيفة: هو عزيمة وفرض، وهذا مذهب أهل البيت، قال زرارة، ومحمد بن مسلم: " قلنا لأبي جعفر: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ قال: إن الله يقول: (وإذا ضربتم في الأرض، فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) فصار التقصير واجبا في السفر، كوجوب التمام في الحضر.
قالا: قلنا إنه قال (لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة) ولم يقل إفعل، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام؟ قال: أوليس قال تعالى في الصفا والمروة (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ألا ترى أن الطواف واجب مفروض، لان الله تعالى ذكرهما في كتابه، وصنعهما نبيه، وكذا التقصير في السفر، شئ صنعه رسول الله، وذكره الله في الكتاب. قال، قلت: فمن صلى في السفر أربعا،