لا سيما وقد سمع النبي يقول: " حربك يا علي حربي، وسلمك سلمي ".
وقيل: نزلت في محلم بن جثامة الليثي، وكان بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سرية، فلقيه عامر بن الأضبط الأشجعي، فحياه بتحية الاسلام، وكان بينهما إحنة (1)، فرماه بسهم فقتله، فلما جاء إلى النبي، جلس بين يديه، وسأله أن يستغفر له، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " لا غفر الله لك "! فانصرف باكيا، فما مضت عليه سبعة أيام، حتى هلك، فدفن فلفظته الأرض، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر به: " إن الأرض تقبل من هو شر من محلم صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظم من حرمتكم ". ثم طرحوه بين صدفي جبل، وألقوا عليه الحجارة. فنزلت الآية، عن الواقدي، ومحمد بن إسحاق بن يسار، روياه عن ابن عمر، وابن مسعود، وابن حدرد. وقيل: كان صاحب السرية المقداد، عن سعيد بن جبير. وقيل: أبو الدرداء، عن ابن زيد.
المعنى: لما بين تعالى أحكام القتل وأنواعه، عقب ذلك بالأمر بالتثبت والتأني، حتى لا يفعل ما يعقب الندامة، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم) أي صرتم، وسافرتم (في سبيل الله) للغزو والجهاد (فتبينوا).: أي ميزوا بين الكافر والمؤمن، وبالثاء والتاء، توقفوا وتأنوا، حتى تعلموا من يستحق القتل. والمعنيان متقاربان، والمراد بهما: لا تعجلوا في القتل لمن أظهر السلام، ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم): أي حياكم بتحية أهل الاسلام، أو من استسلم لكم، فلم يقاتلكم مظهرا أنه من أهل ملتكم: (لست مؤمنا) أي ليس لإيمانك حقيقة، وإنما أسلمت خوفا من القتل، أو لست بآمن (تبتغون) أي تطلبون (عرض الحياة الدنيا) يعني الغنيمة، والمال، ومتاع الحياة الدنيا، الذي لا بقاء له (فعند الله مغانم كثيرة): أي في مقدوره فواضل، ونعم، ورزق، إن أطعتموه فيما أمركم به. وقيل: معناه ثواب كثير لمن ترك قتل المؤمن.
(كذلك كنتم من قبل): اختلف في معناه فقيل كما كان هذا الذي قتلتموه مستخفيا في قومه بدينه، خوفا على نفسه منهم، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرا على أنفسكم، عن سعيد بن جبير. وقيل: كما كان هذا المقتول كافرا، فهداه الله، كذلك كنتم كفارا، فهداكم الله، عن ابن زيد، والجبائي.