كافرا، أو يكون قتله مستحلا لقتله، أو قتله لإيمانه، فإنه لا خلاف أن هذه صفة من يخلد في النار، ويعضده من الرواية ما تقدم ذكره في سبب نزول الآية، وأقوال الأئمة في معناها. وبعد: فقد وافقنا على أن الآية مخصوصة بمن لا يتوب، وأن التائب خارج من عمومها. وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: " لا توبة لقاتل المؤمن إلا إذا قتله في حال الشرك ثم أسلم وتاب "، وبه قال ابن مسعود، وزيد بن ثابت، فالأولى أن يكون هذا القول منهم محمولا على سلوك سبيل التغليظ في القتل، كما روي عن سفيان الثوري أنه سئل عن توبة القاتل، فقال: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: " لا توبة له وإذا ابتلي الرجل قالوا له تب " وروى الواحدي بإسناده مرفوعا إلى عطا، عن ابن عباس أن رجلا سأله القاتل المؤمن توبة؟ فقال: لا. وسأله آخر القاتل المؤمن توبة؟ فقال: نعم. فقيل له في ذلك، فقال: جاءني ذلك، ولم يكن قتل، فقلت: لا توبة لك، لكي لا يقتل. وجاءني هذا، وقد قتل، فقد قلت: لك توبة لكي لا يلقي نفسه بيده إلى التهلكة.
ومن قال من أصحابنا: إن قاتل المؤمن لا يوفق للتوبة، لا ينافي ما قلناه، لان هذا القول إن صح، فإنما يدل على أنه لا يختار التوبة مع أنها لو حصلت، لأزالت العقاب. وإذا كان لا بد من تخصيص الآية بالتوبة، جاز أن يختص أيضا بمن تفضل عليه بالعفو.
وروى الواحدي بإسناده، مرفوعا إلى الأصمعي، قال: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو! أيخلف الله ما وعده؟ فقال: لا. قال:
أفرأيت من أوعده على عمل عقابا، أيخلف الله وعده فيه؟ فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد: إن العرب لا تعد عارا، ولا خلفا، أن تعد شرا، ثم لا تفعله، يرى ذلك كرما وفضلا، وإنما الخلف في أن تعد خيرا، ثم لا تفعله. قال: فأوجدني هذا في كلام العرب. قال: نعم، سمعت قول الأول:
وإني إن أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (1)