المدينة، فأظهروا الشرك، ثم سافروا ببضائع المشركين إلى اليمامة، فأراد المسلمون أن يغزوهم، فاختلفوا، فقال بعضهم: لا نفعل فإنهم مؤمنون. وقال آخرون: إنهم مشركون، فأنزل الله فيهم الآية، عن مجاهد، والحسن، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وقيل: نزلت في الذين تخلفوا عن أحد، وقالوا: (لو نعلم قتالا لاتبعناكم) الآية. فاختلف أصحاب رسول الله، فقال فريق منهم: نقتلهم. وقال آخرون: لا نقتلهم، فنزلت الآية، عن زيد بن ثابت.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال تعالى: (فما لكم) أيها المؤمنون صرتم (في) أمر هؤلاء (المنافقين فئتين): أي فرقتين مختلفتين، فمنكم من يكفرهم، ومنكم من لا يكفرهم (والله أركسهم بما كسبوا): أي ردهم إلى حكم الكفار، بما أظهروا من الكفر، عن ابن عباس. وقيل: معناه أهلكهم بكفرهم، عن قتادة. وقيل: خذلهم فأقاموا على كفرهم، وترددوا فيه، فأخبر عن خذلانه إياهم بأنه أركسهم، عن أبي مسلم (أتريدون أن تهدوا): أي تحكموا بهداية (من أضل الله) أي حكم الله بضلاله، وسماه ضالا. وقيل: معنى أضله الله: خذله ولم يوفقه، كما وفق المؤمنين، لأنهم لما عصوا وخالفوا، استحقوا هذا الخذلان، عقوبة لهم على معصيتهم: أي أتريدون الدفاع عن قتالهم، مع أن الله حكم بضلالهم، وخذلهم، ووكلهم إلى أنفسهم. وقال أبو علي الجبائي، معناه: أتريدون أن تهدوا إلى طريق الجنة من أضله تعالى عن طريق الجنة والثواب. وطعن على القول الأول بأنه لو أراد التسمية والحكم، لقال من ضلل الله. وهذا لا يصح، لان العرب تقول أكفرته وكفرته، قال الكميت:
وطائفة قد أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومذنب وأيضا فإنه تعالى، إنما وصف بهدايتهم، بأن سماهم مهتدين، لأنهم كانوا يقولون إنهم مؤمنون، فقال تعالى: لا تختلفوا فيهم وقولوا بأجمعكم إنهم منافقون.
(ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) معناه: ومن نسبه الله إلى الضلالة، فلن ينفعه أن يحكم غيره بهدايته، كما يقال: من جرحه الحاكم، فلا ينفعه تعديل غيره.
وقيل: معناه من يجعله الله في حكمه ضالا، فلن تجد له في ضلالته حجة، عن جعفر بن حرث قال: ويدل على أنهم هم الذين اكتسبوا ما صاروا إليه من الكفر، دون أن يكون الله تعالى اضطرهم إليه قوله على أثر ذلك: (ودوا لو تكفرون كما