نزلت في سورة النساء، خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، وغربت، قوله سبحانه: (يريد الله ليبين لكم)، و (يريد الله أن يخفف عنكم)، (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه)، (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)، (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه يجز به)، (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، في الموضعين، (ما يفعل الله بعذابكم).
وبيان وجه الاستدلال بهذه الآية على أن الله تعالى يغفر الذنوب من غير توبة أنه نفى غفران الشرك، ولم ينف غفرانه على كل حال، بل نفى أن يغفر من غير توبة، لان الأمة أجمعت على أن الله يغفر بالتوبة، وإن كان الغفران مع التوبة عند المعتزلة على وجه الوجوب، وعندنا على وجه التفضل، فعلى هذا، يجب أن يكون المراد بقوله (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) أنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين غير الكافرين، وإنما قلنا ذلك، لان موضوع الكلام الذي يدخله النفي والاثبات، وينضم إليه الأعلى والأدون، أن يخالف الثاني الأول، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول الرجل: أنا لا أدخل على الأمير إلا إذا دعاني، وأدخل على من دونه إذا دعاني وإنما يكون الكلام مفيدا إذا قال وأدخل على من دونه وإن لم يدعني.
ولا معنى لقول من يقول من المعتزلة إن في حمل الآية على ظاهرها، وإدخال ما دون الشرك في المشيئة، إغراء على المعصية، لان الاغراء إنما يحصل بالقطع على الغفران. فأما إذا كان الغفران متعلقا بالمشيئة فلا إغراء فيه، بل يكون العبد به واقفا بين الخوف والرجاء، على الصفة التي وصف الله بها عباده المرتضين، في قوله تعالى (يدعون ربهم خوفا وطمعا ويحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه). وبهذا وردت الأخبار الكثيرة من طريق الخاص والعام، وانعقد عليه إجماع سلف أهل الاسلام.
ومن قال: إن في غفران ذنوب البعض دون البعض، ميلا ومحاباة، ولا يجوز الميل والمحاباة على الله، وجوابه: إن الله متفضل بالغفران. وللمتفضل أن يتفضل على قوم دون قوم، وإنسان دون انسان، وهو عادل في تعذيب من يعذبه، وليس يمنع العقل ولا الشرع من الفضل والعدل. ومن قال منهم: إن لفظة (ما دون ذلك)، وإن كانت عامة في الذنوب التي هي دون الشرك، فإنما نخصها ونحملها على الصغائر، أو ما يقع منه التوبة، لأجل عموم ظاهر آيات الوعيد. فجوابه: إنا