ففعلوا ذلك، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك أمرؤ تقرأ الكتاب، وتعلم، ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا، وأقرب إلى الحق؟ نحن أم محمد؟ قال كعب: اعرضوا علي دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء (1)، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونفك العاني (2)، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم، ودين محمد الحديث. فقال: " أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم " فأنزل الله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب).
المعنى: فالمعني بذلك: كعب بن الأشرف، وجماعة من اليهود، الذين كانوا معه، بين الله أفعالهم القبيحة، وضمها إلى ما عدده فيما تقدم، فقال: (يؤمنون بالجبت والطاغوت) يعني بهما الصنمين اللذين كانا لقريش، وسجد لهما كعب بن الأشرف. (ويقولون للذين كفروا) أبي سفيان، وأصحابه: (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا) محمد وأصحابه (سبيلا): أي دينا، عن عكرمة، وجماعة من المفسرين. وقيل: إن المعني بالآية حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وسلام بن أبي الحقيق، وأبو رافع، في جماعة من علماء اليهود. والجبت:
الأصنام. والطاغوت: تراجمة الأصنام، الذين كانوا يتكلمون بالتكذيب عنها، عن ابن عباس. وقيل: الجبت: الساحر. والطاغوت: الشيطان، عن ابن زيد.
وقيل: الجبت: السحر، عن مجاهد، والشعبي. وقيل: الجبت: الساحر.
والطاغوت: الكاهن، عن أبي العالية، وسعيد بن جبير. وقيل: الجبت: إبليس.
والطاغوت: أولياؤه. وقيل: هما كل ما عبد من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان، عن أبي عبيدة.
وقيل: الجبت هنا: حيي بن أخطب. والطاغوت: كعب بن الأشرف، عن الضحاك، وبعض الروايات عن ابن عباس. والمراد بالسبيل في الآية: الدين، وإنما سمي سبيلا، لأنه كالطريق في الاستمرار عليه، ليؤدي إلى المقصود.
(أولئك) إشارة إلى الذين تقدم ذكرهم (الذين لعنهم الله): أي أبعدهم من رحمته، وأخزاهم، وخذلهم، وأقصاهم. (ومن يلعن الله): أي ومن يلعنه الله، (فلن تجد له نصيرا): أي معينا يدفع عنه عقاب الله تعالى، الذي أعده له.