النزول: قيل: نزلت في رجال من اليهود، أتوا بأطفالهم إلى النبي، فقالوا:
هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا. فقالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملناه بالليل، كفر عنا بالنهار، فكذبهم الله عن الكلبي. وقيل: نزلت في اليهود والنصارى، حين قالوا: نحن أبناء الله، وأحباؤه، قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، عن الضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
المعنى: ثم ذكر تعالى تزكية هؤلاء أنفسهم، مع كفرهم وتحريفهم الكتاب، فقال: (ألم تر): معناه ألم تعلم. وقيل: ألم تخبر، وهو سؤال على وجه الإعلام، وتأويله: اعلم قصتهم ألم ينته علمك (إلى) هؤلاء (الذين يزكون أنفسهم): أي يمدحونها، ويصفونها بالزكاة والطهارة، بأن يقولوا: نحن أزكياء.
وقيل: هو تزكية بعضهم بعضا، عن ابن مسعود. وإنما قال (أنفسهم) لأنهم على دين واحد، وهم كنفس واحدة. (بل الله يزكي من يشاء) رد الله ذلك عليهم، وبين أن التزكية إليه، يزكي من يشاء: أي يطهر من الذنب من يشاء. وقيل: معناه يقبل عمله فيصير زكيا، ولا يزكي اليهود، بل يعذبهم. (ولا يظلمون فتيلا) معناه: لا يظلمون في تعذيبهم. وترك تزكيتهم فتيلا: أي مقدار فتيل. وذكر الفتيل مثلا، واختلف في معناه فقيل: هو ما يكون في شق النواة، عن ابن عباس، ومجاهد، وعطا، وقتادة. وقيل: الفتيل ما في بطن النواة، والنقير: ما على ظهرها، والقطمير: قشرها، عن الحسن. وقيل: الفتيل ما فتلته بين إصبعيك من الوسخ، عن ابن عباس، وأبي مالك، والسدي.
وفي هذه الآية دلالة على تنزيه الله عن الظلم، وإنما ذكر الفتيل، ليعلم أنه لا يظلم قليلا ولا كثيرا (انظر) يا محمد (كيف يفترون على الله الكذب) في تحريفهم كتابه. وقيل: في تزكيتهم أنفسهم، وقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، عن ابن جريج، (وكفى به): أي كفى هو (إثما مبينا): أي وزرا بينا، وإنما قال: (كفى به) في العظم، على جهة المدح أو الذم، يقال: كفى بحال المؤمن نيلا، وكفى بحال الكافر خزيا، فكأنه قال:
ليس يحتاج إلى حال أعظم منه. ويحتمل أن يكون معناه: كفى هذا إثما: أي ليس يقصر عن منزلة الاثم.