أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا [47] اللغة: الطمس: هو عفو الأثر. والطامس، والداثر، والدارس، بمعنى.
والأدبار: جمع دبر، وأصله من الدبر. يقال: دبره، يدبره، دبرا، فهو دابر، إذا صار خلفه. والدابر: التابع. وقوله (والليل إذا أدبر) معناه تبع النهار. والتدبير:
إحكام أدبار الأمور: وهي عواقبها.
المعنى: ثم خاطب الله أهل الكتاب بالتخويف والتحذير فقال: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب): أي أعطوا علم الكتاب، (آمنوا): أي صدقوا (بما نزلنا) يعني:
بما نزلناه على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن، وغيره من أحكام الدين، (مصدقا لما معكم) من التوراة والإنجيل، اللذين تضمنا صفة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وصحة ما جاء به، (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها): واختلف في معناه على أقوال أحدها: إن معناه من قبل أن نمحو آثار وجوهكم حتى تصير كالأقفية، ونجعل عيونها في أقفيتها، فتمشي القهقري، عن ابن عباس، وعطية العوفي. وثانيها: إن المعنى: أن نطمسها عن الهدى، فنردها على أدبارها في ضلالتها، ذما لها بأنها لا تفلح أبدا، عن الحسن، ومجاهد، والضحاك، والسدي، ورواه أبو الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام. وثالثها: إن معناه: نجعل في وجوههم الشعر، كوجوه القرود، عن الفراء، وأبي القاسم البلخي، والحسين بن علي المغربي. ورابعها: إن المراد: حتى نمحو آثارهم من وجوههم: أي نواحيهم التي هم بها، وهي الحجاز الذي هو مسكنهم، ونردها على أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا وهو الشام، وحمله على إجلاء بني النضير إلى أريحا، وأذرعات، من الشام، عن ابن زيد.
وهذا أضعف الوجوه، لأنه ترك للظاهر.
فإن قيل على القول الأول كيف أوعد سبحانه، ولم يفعل؟ فجوابه على وجوه: أحدها: إن هذا الوعيد كان متوجها إليهم لو لم يؤمن واحد منهم، فلما آمن جماعة منهم، كعبد الله بن سلام، وثعلبة بن شعبة، وأسد بن ربيعة، وأسعد بن عبيدة، ومخريق، وغيرهم، وأسلم كعب في أيام عمر، رفع العذاب عن الباقين، ويفعل بهم ذلك في الآخرة، على أنه سبحانه قال: (أو نلعنهم كما لعنا) والمعنى