يحمله أهل العلم بالحديث و يؤيده أن عطاء إمام واسع الرواية معروف بالرواية عن جابر و ابن الزبير و روى البزار و الطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة و الصلاة في مسجدي بألف صلاة و الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة قال البزار إسناده حسن فوضح بذلك أن المراد بالاستثناء تفضيل المسجد الحرام و هو يرد على تأويل عبد الله بن نافع و غيره و روى ابن عبد البر من طريق يحيى بن يحيى الليثي أنه سأل عبد الله بن نافع عن تأويل هذا الحديث فقال معناه فإن الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة قال ابن عبد البر لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة و تسع و تسعين صلاة و حسبك بقول يؤل إلى هذا ضعفا قال و زعم بعض أصحابنا أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة و احتج برواية سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه و تعقب بان المحفوظ بهذا الإسناد بلفظ صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه الا مسجد الرسول فإنما فضله عليه بمائة صلاة و روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق و عطاء عن ابن الزبير إنهما سمعاه يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه و يشير إلى مسجد المدينة و للنسائي من رواية موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر ما يؤيد هذا و لفظه كلفظ أبي هريرة و في آخره الا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة و استدل بهذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة و هو قول الجمهور و حكى عن مالك و به قال ابن وهب و مطرف و ابن حبيب من أصحابه لكن المشهور عن مالك و أكثر أصحابه تفضيل المدينة و استدلوا بقوله صلى الله عليه و سلم ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة مع قوله موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها قال ابن عبد البر هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد فيه و لا يقاوم النص الوارد في فضل مكة ثم ساق حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا على الحزورة فقال و الله انك لخير أرض الله و أحب أرض الله إلى الله و لولا إني أخرجت منك ما خرجت و هو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن و صححه الترمذي و ابن خزيمة و ابن حبان و غيرهم قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه و الله أعلم و قد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين من المالكية لكن استثنى عياض البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه و سلم فحكى الاتفاق على أنها أفضل البقاع و تعقب بأن هذا لا يتعلق بالبحث المذكور لأنه محله ما يترتب عليه الفضل للعابد و أجاب القرافي بان سبب التفضيل لا ينحصر في كثرة الثواب على العمل بل قد يكون لغيرها كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود و قال النووي في شرح المهذب لم أر لأصحابنا نقلا في ذلك و قال ابن عبد البر إنما يحتج بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أنكر فضلها أما من أقر به و أنه ليس أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها و قال غيره سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة أنه روى أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق رواه ابن عبد البر في أواخر تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا و على هذا فقد روى الزبير بن بكار أن
(٥٥)