فوق هو الذي كان رقيقا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه انتهى وقرأت في مطلع الفوائد للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث المذكور معنى آخر فقال اليد هنا هي النعمة وكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة قال وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله ما أبقت غنى أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يستمر إذ فيمن يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي (قلت) التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق وقد روى إسحق في مسنده من طريق عمرو بن عبد الله بن عروة بن الزبير إن حكيم بن حزام قال يا رسول الله ما اليد العليا قال التي تعطي ولا تأخذ فقوله ولا تأخذ صريح في أن الآخذة ليست بعليا والله أعلم وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة والله أعلم قال ابن عبد البر وفي الحديث إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة بعدم وقربة وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة وفيه تفضيل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر لأن العطاء إنما يكون مع الغنى وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث ذهب أهل الدثور في أواخر صفة الصلاة وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه وقد روى الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد فيه مقال مرفوعا ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا وسيأتي حديث حكيم مطولا في باب الاستعفاف عن المسئلة وفيه بيان سببه إن شاء الله تعالى (قوله باب المنان بما أعطى لقوله تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى الآية) هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني وحده بغير حديث وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به الحديث ولما لم يكن على شرطه اقتصر على الإشارة إليه ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى قال القرطبي المن غالبا يقع من البخيل والمعجب فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطى وإن كان أفضل منه في نفس الأمر وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد (قوله باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها) ذكر فيه حديث عقبة بن الحرث صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع ثم دخل البيت الحديث وفيه كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته قال ابن بطال فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود زاد غيره وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة
(٢٣٧)