قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحق قال وقال أصحاب الرأي من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام قال وقال الجمهور لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شئ ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عليهم فالطحاوي أعلم بهم منه ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين (قوله بيدي) فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها (قوله مع أبي) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس قال ابن التين أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها فلم يحرم عليه شئ كان له حلا حتى نحر الهدي أي وانقضى أمره ولم يحرم وترك إحرامه بعد ذلك أخرى وأولى لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى وحاصل اعتراض عائشة علي ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشئ بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة وفيه تعقب بعض العلماء على بعض ورد الاجتهاد بالنص وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية (قوله باب تقليد الغنم) قال ابن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها زاد غيره وكأنهم لم يبلغهم الحديث ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم أنها تضعف عن التقليد وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدي فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى وقال ابن عبد البر احتج من لم ير باهداء الغنم بأنه صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة ولم يهد فيها غنما انتهى وما أدري ما وجه الحجة منه لأن حديث الباب دال على أنه أرسل بها وأقام وكان ذلك قبل حجته قطعا فلا تعارض بين الفعل والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك ثم ساق ابن المنذر من طريق عطاء وعبيد الله بن أبي يزيد وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهم قالوا رأينا الغنم تقدم مقلدة ولابن أبي شيبة عن ابن عباس نحوه والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقلدها وأعل بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم قال المنذري وغيره وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد وإنما أردف البخاري بطريقه طريق أبي نعيم مع أن طريق أبي نعيم عنده أعلى درجة لتصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم في رواية عبد الواحد مع أن في رواية عبد الواحد زيادة التقليد وزيادة إقامته في أهله حلالا ثم أردفه برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وإن كان هو عنده حجة وأما اردافه برواية مسروق
(٤٣٧)