و المعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف اتركه قال ابن بطال في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وأن أضر ذلك ببدنه لأنه صلى الله عليه و سلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار انتهى و محل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال لأن حال النبي صلى الله عليه و سلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل من عبادة ربه و أن أضر ذلك ببدنه بل صح أنه قال و جعلت قرة عيني في الصلاة كما أخرجه النسائي من حديث أنس فأما غيره صلى الله عليه و سلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه و عليه يحمل قوله صلى الله عليه و سلم خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا و فيه مشروعية الصلاة للشكر و فيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال الله تعالى اعملوا آل داود شكرا و قال القرطبي ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من الذنوب وطلبا للمغفرة و الرحمة فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة و هو الشكر على المغفرة و إيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئا فيتعين كثرة الشكر على ذلك والشكر الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة فمن كثر ذلك منه سمي شكورا و من ثم قال سبحانه و تعالى و قليل من عبادي الشكور و فيه ما كان النبي صلى الله عليه و سلم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشية من ربه قال العلماء إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم و أنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد والله أعلم * (تكملة) * قيل أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه لأنه يجمع بينها بأنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يداوم على قيام جميع الليل بل كان يقوم و ينام كما أخبر عن نفسه وأخبرت عنه عائشة أيضا و سيأتي نقل الخلاف في إيجاب قيام الليل في باب عقد الشيطان أن شاء الله تعالى (قوله باب من نام عند السحر) في رواية الأصيلي والكشميهني السحور و لكل منهما وجه و الأول أوجه و أورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث أحدها لعبد الله بن عمرو و الآخران لعائشة (قوله في حديث عبد الله بن عمرو أن عمرو بن أوس أخبره) أي أبن أبي أوس الثقفي الطائفي و هو تابعي كبير و وهم من ذكره في الصحابة وإنما الصحبة لأبيه (قوله أحب الصلاة إلى الله صلاة داود) قال المهلب كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل فأعطيه سؤله ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل وهذا هو النوم عند السحر كما ترجم به المصنف و إنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منه السآمة و قد قال صلى الله عليه و سلم أن الله لا يمل حتى تملوا والله يحب أن يديم فضله و يوالي إحسانه وانما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن و يذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح و فيه من المصلحة أيضا استقبال صلاة الصبح واذكار النهار بنشاط و إقبال و أنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد و حكى عن قوم أن معنى قوله أحب الصلاة هو بالنسبة إلى من حاله مثل حال
(١٣)