على الفور وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شئ مما بحثه ابن بطال فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد وقال غيره يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة وقال ابن التين قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة (قلت) الثالث قال به بعض المتقدمين ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها ووقع عند أبي داود من حديث يوسف ابن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها قال فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فما أدري إلي خاصة تعني أو للناس عامة انتهى والظاهر حمله على العموم كما تقدم والسبب في التوقف استشكال ظاهره وقد صح جوابه والله أعلم (فصل) لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب فأيهما أفضل الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه هو أفضل لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروها لغيره لكان في حقه أفضل والله أعلم وقال صاحب الهدي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفا من المشقة عليهم (قوله باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها) الحصبة بالمهملتين وموحدة وزن الضربة والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب وقد سبق الكلام على التحصيب في أواخر أبواب الحج وأورد المصنف في حديث عائشة وفيه فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم قال ابن بطال فقه هذا الباب أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق وليلة الحصبة هي ليلة النفر الأخير لأنها آخر أيام الرمي واختلف السلف في العمرة أيام الحج فروى عبد الرزاق باسناده عن مجاهد قال سئل عمر وعلي وعائشة عن العمرة ليلة الحصبة فقال عمر هي خير من لا شئ وقال علي نحوه وقالت عائشة العمرة على قدر النفقة انتهى وأشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج من مكة إلى أدنى الحل وسيأتي تقرير ذلك بعد بابين وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام قوله (باب عمرة التنعيم) يعني هل تتعين لمن كان بمكة أم لا وإذا لم تتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا قال صاحب الهدي لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها انتهى وبعد
(٤٨٢)