كان على ربك تذييل و تقرير لقوله و أن منكم فهذا بمنزلة القسم بل أبلغ لمجئ الاستثناء بالنفي و الاثبات و اختلف السلف في المراد بالورود في الآية فقيل هو الدخول روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره و روى أحمد و النسائي و الحاكم من حديث جابر مرفوعا الورود الدخول لا يبقى بر و لا فاجر الا دخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما و روى الترمذي و ابن أبي حاتم من طريق السدي سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن مسعود قال يردونها أو يلجونا ثم يصدرون عنها بأعمالهم قال عبد الرحمن بن مهدي قلت لشعبة أن إسرائيل يرفعه قال صدق و عمدا أدعه ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل مرفوعا و قيل المراد بالورود الممر عليها رواه الطبري و غيره من طريق بشر بن سعيد عن أبي هريرة و من طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود و من طريق معمر و سعيد عن قتادة و من طريق كعب الأحبار و زاد يستوون كلهم على متنها ثم ينادي مناد امسكي أصحابك و دعي أصحابي فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم و هذان القولان أصح ما ورد في ذلك و لا تنافي بينهما لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور و وجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق كما سيأتي تفصيل ذلك عند شرح حديث الشفاعة في الرقاق أن شاء الله تعالى و يؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه و سلم لما قال لا يدخل أحد شهد الحديبية النار أليس الله يقول و أن منكم الا واردها فقال لها أليس الله تعالى يقول ثم ننجي الذين اتقوا الآية و في هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار و من قال معنى الورود الدنو منها و من قال معناه الأشراف عليها و من قال معنى ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى على أن هذا الأخير ليس ببعيد و لا ينافيه بقية الأحاديث و الله أعلم و في حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم أن أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء و لا يرحم الأبناء قاله المهلب و كون أولاد المسلمين في الجنة قاله الجمهور و وقفت طائفة قليلة و سيأتي البحث في ذلك في أواخر كتاب الجنائز أن شاء الله تعالى و فيه أن من حلف (3) أن لا يفعل كذا ثم فعل منه شيئا و لو قل برت يمينه خلافا لمالك قاله عياض و غيره (قوله باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري) قال الزين بن المنير ما محصله عبر بقوله الرجل ليوضح أن ذلك لا يختص بالنبي صلى الله عليه و سلم و عبر بالقول دون الموعظة و نحوها لكون ذلك الأمر يقع على القدر المشترك من الوعظ و غيره و اقتصر على ذكر الصبر دون التقوى لأنه المتيسر حينئذ المناسب لما هي فيه قال و موضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو موعظة أو تعزية و أن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه من المصالح الدينية و الله أعلم (قوله حدثنا آدم) سيأتي هذا الحديث بهذا الإسناد بعينه أتم من هذا في باب زيارة القبور بعد زيادة على عشرين بابا و سيأتي الكلام عليه هناك مستوفى أن شاء الله تعالى و مناسبة هذه الترجمة لما قبلها لجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة لأن في الأول جواز مخاطبتها بما يرغبها في الأجر إذا احتسبت مصيبتها و في هذا مخاطبتها بما يرهبها من الإثم لما تضمنه الحديث من الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى و الله أعلم (قوله
(١٠٠)