عن سعيد كذلك و في الحديث تقديم من يحدث كلاما يقتضى تصديقه فيما يحدث به فإن المغيرة قدم قبل تحديثه بتحريم النوح أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد من الكذب على غيره وأشار إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل (قوله باب) كذا في رواية الأصيلي و سقط من رواية أبي ذر و كريمة و على ثبوته فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم تقريره غير مرة و على التقديرين فلا بد له من تعلق بالذي قبله و قد قدمت توجيهه في أول الترجمة (قوله قد مثل به) بضم الميم و تشديد المثلثة يقال مثل بالقتيل إذا جدع أنفه أو إذنه أو مذاكيره أو شئ من اجزائه و الاسم المثلة بضم الميم و سكون المثلثة (قوله سجى ثوبا) بضم المهملة و تشديد الجيم الثقيلة أي غطى بثوب (قوله ابنة عمرو أو أخت عمرو) هذا شك من سفيان و الصواب بنت عمرو و هي فاطمة بنت عمرو و قد تقدم على الصواب من رواية شعبة عن ابن المنكدر في أوائل الجنائز بلفظ فذهبت عمتي فاطمة و وقع في الإكليل للحاكم تسميتها هند بنت عمرو فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها و الآخر لقبها أو كانتا جميعا حاضرتين (قوله قال فلم تبكي أو لا تبكي) هكذا في هذه الرواية بكسر اللام و فتح الميم على أنه استفهام عن غائبة و أما قوله أو لا تبكي فالظاهر أنه شك من الراوي هل استفهم أو نهى لكن تقدم في أوائل الجنائز من رواية شعبة تبكي أو لا تبكي و تقدم شرحه على التخيير و محصله أن هذا الجليل القدر الذي تظله الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يبكي عليه بل يفرح له بما صار إليه (قوله باب ليس منا من شق الجيوب) قال الزين بن المنير أفرد هذا القدر بترجمة ليشعر بأن النفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من المذكورات لا بمجموعها (قلت) و يؤيده رواية مسلم بلفظ أو شق الجيوب أو دعا الخ (قوله حدثنا زبيد) بزاي و موحدة مصغر (قوله اليامي) بالتحتانية و الميم الخفيفة و في رواية الكشميهني الأيامى بزيادة همزة في أوله و الإسناد كله كوفيون و لسفيان و هو الثوري فيه إسناد آخر سيذكر بعد بابين (قوله ليس منا) أي من أهل سنتنا و طريقتنا و ليس المراد به إخراجه عن الدين و لكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك و لست مني أي ما أنت على طريقتي و قال الزين بن المنير ما ملخصه التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجودي و هذا يصان كلام الشارع عن الحمل عليه و الأولى أن يقال المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر و يعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود و حكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله و يقول ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس و أبلغ في الزجر و قيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين و أن كان معه أصله حكاه ابن العربي و يظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الآتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال برئ منه النبي صلى الله عليه و سلم و أصل البراءة الانفصال من الشئ و كأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا و قال المهلب قوله أنا برئ أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل و لم يرد نفيه عن الإسلام (قلت) بينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام و هذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب و غيره و كأن السبب في ذلك ما تضمنه
(١٣١)