حديث آخر عن أمها أم سلمة في الإحداد أيضا و سيأتي الكلام على الأحاديث الثلاثة مستوفى أن شاء الله تعالى (قوله باب زيارة القبور) أي مشروعيتها و كأنه لم يصرح بالحكم لما فيه من الخلاف كما سيأتي و كأن المصنف لم يثبت على شرطه الأحاديث المصرحة بالجواز و قد أخرجه مسلم من حديث بريدة و فيه نسخ النهي عن ذلك و لفظه كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها و زاد أبو داود و النسائي من حديث أنس فإنها تذكر الآخرة و للحاكم من حديثه فيه و ترق القلب و تدمع العين فلا تقولوا هجرا أي كلاما فاحشا و هو بضم الهاء و سكون الجيم و له من حديث ابن مسعود فإنها تزهد في الدنيا و لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا زوروا القبور فإنها تذكر الموت قال النووي تبعا للعبدري و الحازمي و غيرهما اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة كذا اطلقوا و فيه نظر لأن ابن أبي شيبة و غيره روى عن ابن سيرين و إبراهيم النخعي و الشعبي الكراهة مطلقا حتى قال الشعبي لولا نهي النبي صلى الله عليه و سلم لزرت قبر ابنتي فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء و كأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ و الله أعلم و مقابل هذا قول ابن حزم أن زيارة القبور واجبة و لو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به و اختلف في النساء فقيل دخلن في عموم الاذن و هو قول الأكثر و محله ما إذا أمنت الفتنة و يؤيد الجواز حديث الباب و موضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه و سلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر و تقريره حجة و ممن حمل الاذن على عمومه للرجال و النساء عائشة فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها أليس قد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك قالت نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها و قيل الاذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور وبه جزم الشيخ أبو إسحق في المهذب و استدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي تقدمت الإشارة إليه في باب أتباع النساء الجنائز و بحديث لعن الله زوارات القبور أخرجه الترمذي و صححه من حديث أبي هريرة و له شاهد من حديث ابن عباس و من حديث حسان بن ثابت و اختلف من قال بالكراهة في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه قال القرطبي هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة و لعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج و التبرج وما ينشأ منهن من الصياح و نحو ذلك فقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال و النساء (قوله بامرأة) لم اقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر و في رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها و لفظه تبكي على صبي لها و صرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق و لفظه قد أصيبت بولدها و سيأتي في أوائل كتاب الأحكام من طريق أخرى عن شعبة عن ثابت أن أنسا قال لامرأة من أهله تعرفين فلانة قالت نعم قال كان النبي صلى الله عليه و سلم مر بها فذكر هذا الحديث (قوله فقال اتقي الله) في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال يا أمة الله اتقي الله قال القرطبي الظاهر أنه كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره و لهذا أمرها بالتقوى (قلت) يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور فسمع منها ما يكره فوقف عليها و قال الطيبي قوله اتقي الله توطئة لقوله واصبري كأنه قيل لها خافي غضب الله أن لم تصبري و لا تجزعي ليحصل لك الثواب (قوله إليك عني) هو من أسماء الأفعال و معناها تنح وأبعد (قوله لم تصب بمصيبتي) سيأتي في الأحكام من وجه آخر عن
(١١٨)