ينعى إلى الناس الميت بنفسه كذا قال و لم يصنع شيئا إلا أنه أبدل لفظ الأهل بالناس و أثبت المفعول المحذوف و لعله كان ثابتا في الأصل فسقط أو حذف عمدا لدلالة الكلام عليه أو لفظ ينعى بضم أوله و المراد بالرجل الميت و الضمير حينئذ له كما قال الزين بن المنير و يستقيم عليه رواية الكشميهني و أما التعبير بالأهل فلا خلل فيه لأن مراده به ما هو أعم من القرابة و إخوة الدين و هو أولى من التعبير بالناس لأنه يخرج من ليس له به أهلية كالكفار و أما رواية الأصيلي فقال ابن رشيد أنها فاسدة قال و فائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله و إنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور و الأسواق و قال ابن المرابط مراده أن النعي الذي هو أعلام الناس بموت قريبهم مباح و أن كان فيه إدخال الكرب و المصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته و تهيئة أمره و الصلاة عليه و الدعاء له و الاستغفار و تنفيذ وصاياه و ما يترتب على ذلك من الأحكام و أما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور أخبرنا ابن علية عن ابن عوف قال قلت لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عوف كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعى فلانا و به إلى ابن عون قال قال ابن سيرين لا أعلم بأسا أن يؤذن لرجل صديقه و حميمه و حاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره فإن زاد على ذلك فلا و قد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول لا تؤذنوا به أحدا إني أخاف أن يكون نعيا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بأذني هاتين ينهى عن النعي أخرجه الترمذي و ابن ماجة بإسناد حسن قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات الأولى أعلام الأهل و الأصحاب و أهل الصلاح فهذا سنة الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره الثالثة الاعلام بنوع آخر كالنياحة و نحو ذلك فهذا يحرم ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي و سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز ثانيهما حديث أنس في قصة قتل الأمراء بمؤته و سيأتي الكلام عليه في المغازي و ورد في علامات النبوة بلفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى زيدا و جعفرا الحديث قال الزين بن المنير وجه دخول قصة الأمراء في الترجمة أن نعيهم كان لأقاربهم و للمسلمين الذين هم أهلهم من جهة الدين و وجه دخول قصة النجاشي كونه كان غريبا في ديار قومه فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخا فكانوا أخص به من قرابته (قلت) و يحتمل أن يكون بعض أقرباء النجاشي كان بالمدينة حينئذ ممن قدم مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة كذي مخمر بن أخي النجاشي فيستوي الحديثان في أعلام أهل كل منهما حقيقة و مجازا (قوله باب الاذن بالجنازة) قال ابن رشيد ضبطناه بكسر الهمزة و سكون المعجمة و ضبطه ابن المرابط بمد الهمزة و كسر الذال على وزن الفاعل (قلت) و الأول أوجه و المعنى الاعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها ليصلي عليها قيل هذه الترجمة تغاير التي قبلها من جهة أن المراد بها الاعلام بالنفس و بالغير قال الزين بن المنير هي مرتبة على التي قبلها لأن النعي أعلام من لم يتقدم له علم بالميت و الأذن أعلام من علم بتهيئة أمره و هو حسن (قوله قال أبو رافع عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم كنتم الا آذنتموني) هذا طرف من حديث تقدم الكلام عليه مستوفى في باب كنس المسجد و مناسبته للترجمة واضحة (قوله حدثني محمد)
(٩٣)