كالسرج للفرس و كنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه و خرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر و إلا فلا فرق بين ركوب الرواحل و الخيل و البغال و الحمير و المشي في المعنى المذكور و يدل عليه قوله في بعض طرقه إنما يسافر أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أويس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة (قوله إلا) الاستثناء مفرغ و التقدير لا تشد الرحال إلى موضع و لازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص و هو المسجد كما سيأتي (قوله المسجد الحرام) أي المحرم و هو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب و المسجد بالخفض على البدلية و يجوز الرفع على الاستئناف و المراد به جميع الحرم و قيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت و غيرها من أجزاء الحرم قال الطبري و يتأيد بقوله مسجدي هذا لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة فينبغي أن يكون المستثنى كذلك و قيل المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري و ذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ الا الكعبة و فيه نظر لأن الذي عند النسائي الا مسجد الكعبة حتى و لو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة و يؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم قال بل في الحرم لأنه كله مسجد (قوله و مسجد الرسول) أي محمد صلى الله عليه و سلم و في العدول عن مسجدي إشارة إلى التعظيم و يحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة و يؤيده قوله في حديث أبي سعيد الآتي قريبا و مسجدي (قوله و مسجد الأقصى) أي بيت المقدس و هو من إضافة الموصوف إلى الصفة و قد جوزه الكوفيون و استشهدوا له بقوله تعالى و ما كنت بجانب الغربي و البصريون يؤولونه بإضمار المكان أي الذي بجانب المكان الغربي و مسجد المكان الأقصى و نحو ذلك و سمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة و قيل في الزمان و فيه نظر لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة و سيأتي في ترجمة إبراهيم الخليل من أحاديث الأنبياء و بيان ما فيه من الاشكال و الجواب عنه و قال الزمخشري سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ و راءه مسجد و قيل لبعده عن الاقذار و الخبث و قيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة و بيت المقدس أبعد منه و لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد و القصر و بحذف الياء الأولى و عن ابن عباس إدخال الألف و اللام على هذا الثالث و بيت المقدس بسكون القاف و بفتحها مع التشديد و القدس بغير ميم مع ضم القاف و سكون الدال و بضمها أيضا وشلم بالمعجمة و تشديد اللام و بالمهملة و شلام بمعجمة و سلم بفتح المهملة و كسر اللام الخفيفة و أورى سلم بسكون الواو و بكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة قال الأعشى و قد طفت للمال آفاقه * دمشق فحمص فأورى سلم و من أسمائه كوره و بيت ايل وصهيون ومصروث آخره مثلثه و كورشيلا و بابوس بموحدتين و معجمة و قد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب ليس و سيأتي ما يتعلق بمكة و المدينة في كتاب الحج و في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد و مزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء و لان الأول قبلة الناس واليه حجهم و الثاني كان قبلة الأمم السالفة و الثالث أسس على التقوى و اختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء و أمواتا و إلى
(٥٢)