شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنكرنا صورة ذلك و في شرح ذلك من الطرفين طول و هي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية و من جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم و قد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال و أجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال و أن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع و الله الهادي إلى الصواب قال بعض المحققين قوله الا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان الا إلى الثلاثة أو أخص من ذلك لا سبيل إلى الأول لافضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم و طلب العلم و غيرها فتعين الثاني و الأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة و هو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه الا إلى الثلاثة فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف و غيره من قبور الصالحين و الله أعلم و قال السبكي الكبير ليس في الأرض بقعه لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة و مرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكما شرعيا و أما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات قال و قد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة داخل في المنع و هو خطا لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه فمعنى الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان الا إلى الثلاثة المذكورة وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان و الله أعلم (قوله زيد بن رباح) بالموحدة و عبيد الله بالتصغير و الأغر هو سليمان شيخ الزهري المتقدم (قوله صلاة في مسجدي هذا) قال النووي ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه و سلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده و قد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي أنه يعم جميع الحرم (قوله الا المسجد الحرام) قال ابن بطال يجوز في هذا الاستثناء أن يكون المراد فإنه مساو لمسجد المدينة أو فاضلا أو مفضولا و الأول أرجح لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا لم يعلم مقدار ذلك الا بدليل بخلاف المساواة انتهى و كأنه لم يقف على دليل الثاني و قد أخرجه الإمام أحمد و صححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام و صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا و في رواية ابن حبان و صلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه و وقفه و من رفعه أحفظ و أثبت و مثله لا يقال بالرأي و في ابن ماجة من حديث جابر مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام و صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه و في بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه الا مسجد المدينة و على الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة و رجال إسناده ثقات لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما و على ذلك
(٥٤)