المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها و الصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها و أشار بظاهر هذا الحديث و أشار القاضي حسين إلى اختياره و به قال عياض و طائفة و يدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار نضرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور و قال له لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت و استدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه و وافقه أبو هريرة و الصحيح عند إمام الحرمين و غيره من الشافعية أنه لا يحرم و أجابوا عن الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز و قد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ لا ينبغي للمطي أن تعمل و هو لفظ ظاهر في غير التحريم و منها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به قاله ابن بطال و قال الخطابي اللفظ لفظ الخبر و معناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشئ من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة و منها أن المراد حكم المساجد فقط و أنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة و أما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي و يؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال سمعت أبا سعيد و ذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام و المسجد الأقصى و مسجدي و شهر حسن الحديث و أن كان فيه بعض الضعف و منها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال لا يعتكف في غيرها و هو أخص من الذي قبله و لم أر عليه دليلا و استدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك و به قال مالك و أحمد و الشافعي و البويطي و اختاره أبو إسحاق المروزي و قال أبو حنيفة لا يجب مطلقا و قال الشافعي في الأم يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين و هذا هو المنصور لأصحاب الشافعي و قال ابن المنذر يجب إلى الحرمين و أما الأقصى فلا و استأنس بحديث جابر أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم إني نذرت أن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ههنا و قال ابن التين الحجة على الشافعي أن أعمال المطي إلى مسجد المدينة و المسجد الأقصى و الصلاة فيهما قربة فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام انتهى و فيما يلزم من نذر إتيان هذه المساجد تفصيل و خلاف يطول ذكره محله كتب الفروع و استدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها لأنها لا فضل لبعضها على بعض فتكفي صلاته في أي مسجد كان قال النووي لا اختلاف في ذلك الا ما روى عن الليث أنه قال يجب الوفاء به و عن الحنابلة رواية يلزمه كفارة يمين و لا ينعقد نذره و عن المالكية رواية أن تعلقت به عبادة تختص به كرباط لزم و إلا فلا و ذكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأتيه كل سبت كما سيأتي قال الكرماني وقع في هذه المسئلة في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة و صنف فيها رسائل من الطرفين (قلت) يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي و غيره على الشيخ تقي الدين بن تيمية و ما انتصر به الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي و غيره لابن تيمية و هي مشهوره في بلادنا و الحاصل إنهم الزموا ابن تيمية بتحريم
(٥٣)