الأعمال الصالحة و الذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن ارجائها الأعمال المتطوع بها و إلا فالمفروضة أفضل قطعا و يستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه و سلم و قال ابن الجوزي فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده و قال المهلب فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله و فيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحة ليقتدي بها غيرهم في ذلك و فيه أيضا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه ليحضه عليه و يرغبه فيه أن كان حسنا و إلا فينهاه و استدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله في كل ساعة و تعقب بان الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة وأنه كان يؤخر الطهور إلى آخر وقت الكراهة لتقع صلاته في غير وقت الكراهة لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بريده في نحو هذه القصة ما أصابني حدث قط الا توضأت عندها و لأحمد من حديثه ما أحدثت الا توضأت وصليت ركعتين فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء و الوضوء بالصلاة في أي وقت كان و قال الكرماني ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت و يحتمل ان يكون في اليقظة لان النبي صلى الله عليه و سلم دخلها ليلة المعراج و اما بلال فلا يلزم من هذه القصة انه دخلها لأن قوله في الجنة ظرف للسماع و يكون الدف بين يديه خارجا عنها انتهى و لا يخفى بعد هذا الاحتمال لأن السياق مشعر بإثبات فضيلة بلال لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر و الصلاة و إنما ثبتت له الفضيلة بان يكون رؤى داخل الجنة لا خارجا عنها و قد وقع في حديث بريده المذكور يا بلال بم سبقتني إلى الجنة و هذا ظاهر في كونه رآه داخل الجنة و يؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة فقيل هذا بلال و رأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر الحديث و بعده من حديث أبي هريرة مرفوعا بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقيل هذا لعمر الحديث فعرف أن ذلك وقع في المنام و ثبتت الفضيلة بذلك لبلال لأن رؤيا الأنبياء وحي و لذلك جزم النبي صلى الله عليه و سلم له بذلك و مشيه بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم كان من عادته في اليقظة فاتفق مثله في المنام و لا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه و سلم لأنه في مقام التابع و كأنه أشار صلى الله عليه و سلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته و استمراره على قرب منزلته و فيه منقبة عظيمة لبلال و في الحديث استحباب إدامة الطهارة و مناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرا و من بات طاهرا عرجت روحه فسجدت تحت العرش كما رواه البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و العرش سقف الجنة كما سيأتي في هذا الكتاب و زاد بريده في آخر حديثه فقال النبي صلى الله عليه و سلم بهذا و ظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل و لا معارضه بينه و بين قوله صلى الله عليه و سلم لا يدخل أحدكم الجنة عمله لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه و بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله و اقتسام الدرجات
(٢٩)