قيام النبي صلى الله عليه و سلم من الليل من نومه و ما نسخ من قيام الليل و قوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل) كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة قالت أن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة يعني يا أيها المزمل فقام نبي الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه حولا حتى انزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته و استغنى البخاري عن إيراد هذا الحديث لكونه على غير شرطه بما أخرجه عن أنس فإن فيه و لا تشاء أن تراه من الليل نائما الا رايته فإنه يدل على أنه كان ربما نام كل الليل و هذا سبيل التطوع فلو استمر الوجوب لما أخل بالقيام و بهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة و قد روى محمد بن نصر في قيام الليل من طريق سماك الحنفي عن ابن عباس شاهدا لحديث عائشة في أن بين الإيجاب و النسخ سنة و كذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السلمي و الحسن و عكرمة و قتادة بأسانيد صحيحة عنهم و مقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة لأن الإيجاب متقدم على فرض الخمس ليلة الإسراء و كانت قبل الهجرة بأكثر من سنة على الصحيح و حكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل الا ما تيسر منه لقوله فاقرؤوا ما تيسر منه ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس و استشكل محمد بن نصر ذلك كما تقدم ذكره و التعقب عليه في أول كتاب الصلاة و تضمن كلامه أن الآية التي نسخت الوجوب مدنية و هو مخالف لما عليه الأكثر من أن السورة كلها مكية نعم ذكر أبو جعفر النحاس أنها مكية الا الآية الأخيرة و قوى محمد بن نصر هذا القول بما أخرجه من حديث جابر أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبي عبيدة في جيش الخبط و كان ذلك بعد الهجرة لكن في إسناده علي بن زيد بن جدعان و هو ضعيف و أما ما رواه الطبري من طريق محمد بن طحلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت احتجر رسول الله صلى الله عليه و سلم حصيرا فذكر الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه قبل خمسة أبواب و فيه اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه و أن قل و نزلت عليه يا أيها المزمل فكتب عليهم قيام الليل وأنزلت منزلة الفريضة حتى إن كان بعضهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله تكلفهم ابتغاء رضاه وضع ذلك عنهم فردهم إلى الفريضة و وضع عنهم قيام الليل الا ما تطوعوا به فإنه يقتضي أن السورة كلها مدنية لكن فيه موسى بن عبيدة و هو شديد الضعف فلا حجة فيما تفرد به و لو صح ما رواه لاقتضى ذلك وقوع ما خشي منه صلى الله عليه و سلم حيث ترك قيام الليل بهم خشية أن يفرض عليهم و الأحاديث الصحيحة دالة على أن ذلك لم يقع و الله أعلم (قوله يا أيها المزمل) أي المتلفف في ثيابه و روى ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال يا أيها المزمل أي يا محمد قد زملت القرآن فكان الأصل يا أيها المتزمل (قوله قم الليل الا قليلا) أي منه و روى ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال القليل ما دون المعشار و السدس و فيه نظر لما سيأتي (قوله نصفه) يحتمل أن يكون بدلا من قليلا فكان في الآية تخييرا بين قيام النصف بتمامه أو قيام انقص منه أو أزيد ويحتمل أن يكون قوله نصفه بدلا من الليل والا قليلا استثناء من النصف حكاه الزمخشري و بالأول جزم الطبري و أسند ابن أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني (قوله ورتل القرآن ترتيلا) أي أقرأه مترسلا بتبيين الحروف و اشباع الحركات و روى مسلم من حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها (قوله قولا ثقيلا) أي القرآن وعن الحسن
(١٨)