و لا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادي غيري لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور و قال البيضاوي و لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز أمتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب و الانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة و الرحمة (قوله حين يبقي ثلث الليل الآخر) برفع الآخر لأنه صفة الثلث و لم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت واختلفت الروايات عن أبي هريرة و غيره قال الترمذي رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك و يقوى ذلك أن الروايات المخالفة له اختلف فيها على رواتها و سلك بعضهم طريق الجمع و ذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء أولها هذه ثانيها إذا مضى الثلث الأول ثالثها الثلث الأول أو النصف رابعها النصف خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الإطلاق فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه وأن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بان ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم و تأخره عن قوم وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول و القول يقع في النصف و في الثلث الثاني و قيل يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار و يحمل على أن النبي صلى الله عليه و سلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم (قوله من يدعوني الخ) لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة و هي الدعاء و السؤال و الاستغفار و الفرق بين الثلاثة أن المطلوب أما لدفع المضار أو جلب المسار و ذلك أما ديني و أما دنيوي ففي الاستغفار إشارة إلى الأول و في السؤال إشارة إلى الثاني و في الدعاء إشارة إلى الثالث و قال الكرماني يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو أبا الله و السؤال الطلب و أن يقال المقصود واحد و أن اختلف اللفظ انتهى و زاد سعيد عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه وزاد أبو جعفر عنه من ذا الذي يسترزقني فارزقه من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه وزاد عطاء مولى أم صبية عنه الا سقيم يستشفى فيشفى و معانيها داخله فيما تقدم و زاد سعيد بن مرجانة عنه من يقرض غير عديم و لا ظلوم و فيه تحريض على عمل الطاعة و إشارة إلى جزيل الثواب عليها و زاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث حتى الفجر و في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عند مسلم حتى ينفجر الفجر و في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة حتى يطلع الفجر و كذا اتفق معظم الرواة على ذلك الا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النسائي حتى ترجل الشمس و هي شاذة و زاد يونس في روايته عن الزهري في آخره أيضا و لذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله أخرجها الدارقطني أيضا و له من رواية بن سمعان عن الزهري ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهري و بهذه الزيادة تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة و مناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه (قوله فاستجيب) بالنصب على جواب الاستفهام و بالرفع على الاستئناف و كذا قوله فأعطيه و اغفر له و قد قرئ بهما في قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
(٢٦)